(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤)
____________________________________
أمر المعاش وغير ذلك من المفاسد ما لا يكاد يليق بأحد من الأدانى والأراذل فضلا عن المؤمنين ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة فى الزجر وقيل النفى بمعنى النهى وقد قرىء به والتحريم على حقيقته والحكم إما مخصوص بسبب النزول أو منسوخ بقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) فإنه متناول للمسافحات ويؤيده ما روى أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن ذلك فقال أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال وما قيل من أن المراد بالنكاح هو الوطء بين البطلان (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) بيان لحكم العفائف إذا نسبن إلى الزنا بعد بيان حكم الزوانى ويعتبر فى الإحصان ههنا مع مدلوله الوضعى الذى هو العفة عن الزنا الحرية والبلوغ والإسلام وفى التعبير عن التفوه بما قالوا فى حقهن بالرمى المنبىء عن صلابة الآلة وإيلام المرمى وبعده عن الرامى إيذان بشدة تأثيره فيهن وكونه رجما بالغيب والمراد به رميهن بالزنا لا غير وعدم التصريح به للاكتفاء بإيرادهن عقيب الزوانى ووصفهن بالإحصان الدال بالوضع على نزاهتهن عن الزنا خاصة فإن ذلك بمنزلة التصريح بكون رميهن به لا محالة ولا حاجة فى ذلك إلى الاستشهاد باعتبار الأربعة من الشهداء على أن فيه مؤنة بيان تأخر نزول الآية عن قوله تعالى (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً) ولا بعدم وجوب الحد بالرمى بغير الزنا على أن فيه شبهة المصاردة كأنه قيل والذين يرمون العفائف المنزهات عما رمين به من الزنا (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) يشهدون عليهن بما رموهن به وفى كلمة ثم إشعار بجواز تأخير الإتيان* بالشهود كما أن فى كلمة لم إشارة إلى تحقيق العجز عن الإتيان بهم وتقرره خلا أن اجتماع الشهود لا بد منه عند الأداء خلافا للشافعى رحمهالله تعالى فإنه جوز التراخى بين الشهادات كما بين الرمى والشهادة ويجوز أن يكون أحدهم زوج المقذوفة خلافا له أيضا وقرىء بأربعة شهداء (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) لظهور كذبهم* وافترائهم بعجزهم عن الإتيان بالشهداء لقوله تعالى (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) وانتصاب ثمانين كانتصاب المصادر ونصب جلدة على التمييز وتخصيص رميهن بهذا الحكم مع أن حكم رمى المحصنين أيضا كذلك لخصوص الواقعة وشيوع الرمى فيهن (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً) عطف على اجلدوا داخل* فى حكمه تتمة له لما فيه من معنى الزجر لأنه مؤلم للقلب كما أن الجلد مؤلم للبدن وقد آذى المقذوف بلسانه فعوقب باهدار منافعه جزاء وفاقا واللام فى لهم متعلقة بمحذوف هو حال من شهادة قدمت عليها لكونها نكرة ولو تأخرت عنها لكانت صفة لها وفائدتها تخصيص الرد بشهادتهم الناشئة عن أهليتهم الثابتة لهم عند الرمى وهو السر فى قبول شهادة الكافر المحدود فى القذف بعد التوبة والإسلام لأنها ليست ناشئة عن أهليته السابقة بل عن أهلية حدثت له بعد إسلامه فلا يتناولها الرد فتدبر ودع عنك ما قيل من أن المسلمين لا يعبأون بسبب الكفار فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنار ما يلحقه بقذف المسلم فإن ذلك بدون ما مر من الاعتبار تعليل فى مقابلة النص ولا يخفى حاله فالمعنى لا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات حال كونها