(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ(٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٥٧)
____________________________________
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) حكاية لما ظهر من أمم الرسل بعدهم من مخالفة الأمر وشق العصا والضمير لما دل عليه الأمة من أربابها أو لها على التفسيرين والفاء لترتيب عصيانهم على الأمر لزيادة تقبيح حالهم أى تقطعوا أمر دينهم مع اتحاده وجعلوه قطعا متفرقة وأديانا مختلفة (بَيْنَهُمْ زُبُراً) أى قطعا جمع زبور بمعنى الفرقة ويؤيده قراءة زبرا بفتح الباء جمع زبرة وهو حال من أمرهم أو من واو تقطعوا أو مفعول ثان له فإنه متضمن لمعنى جعلوا وقبل كتبا فيكون مفعولا ثانيا أو حالا من أمرهم على تقدير المضاف أى مثل زبر وقرىء بتخفيف الباء كرسل فى رسل (كُلُّ حِزْبٍ) من أولئك المتحزبين (بِما لَدَيْهِمْ) من الدين الذى اختاروه (فَرِحُونَ) معجبون معتقدون أنه الحق (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) شبه ما هم فيه من الجهالة بالماء الذى يغمر القامة لأنهم مغمورون فيها لاعبون بها وقرىء غمراتهم والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والفاء لترتيب الأمر بالترك على ما قبله من كونهم فرحين بما لديهم فإن انهماكهم فيما هم فيه وإصرارهم عليه من مخايل كونهم مطبوعا على قلوبهم أى اتركهم على حالهم (حَتَّى حِينٍ) هو حين قتلهم أو موتهم على الكفر أو عذابهم فهو وعيد لهم بعذاب الدنيا والآخرة وتسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ونهى له عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخيره وفى التنكير والإبهام مالا يخفى من التهويل (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ) أى نعطيهم إياه ونجعله مددا لهم فما موصولة وقوله تعالى (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) بيان لها وتقديم المال على البنين مع كونهم أعز منه قد مر وجهه فى سورة الكهف لا خبر لأن وإنما الخبر قوله تعالى (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) على حذف الراجع إلى الاسم أى أيحسبون أن الذى نمدهم به من المال والبنين نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم على أن الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وقوله تعالى (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى كلا لا نفعل ذلك بل هم لا يشعرون بشىء أصلا كالبهائم لا فطنة لهم ولا شعور ليتأملوا ويعرفوا أن ذلك الإمداد استدراج لهم واستجرار إلى زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة لهم فى الخيرات وقرىء يمدهم على الغيبة وكذلك يسارع ويسرع ويحتمل أن يكون فيهما ضمير الممدبه وقرىء يسارع مبنيا للمفعول (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) استئناف مسوق لبيان من له المسارعة فى الخيرات إثر إقناط الكفار عنها وإبطال حسبانهم الكاذب أى من خوف عذابه حذرون.