ليستشيرهم في صحة المنقولات عموما وفي ما سمعه عمن ائتمنه ووثق به خصوصا (١) ، لا أن يبيد مدونته وأن يأمر بمنع التحديث عموما.
فجملة : «لا تحدثوا شيئا» تفيد النهي الشامل عن كل الأحاديث ، ولا تختص بالنهي عن تناقل أحاديث الإمامة والخلافة فقط ، لأن مجئ النكرة «شيئا» بعد النهي «لا تحدثوا» يفيد العموم ، ومعناه أن الخليفة لا يرتضي التحديث بشئ سوى القرآن.
فلو كان الخليفة يريد التثبت حقا لقال : «تثبتوا في نقلكم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لكثرة الكذبة عليه» ، أو : «لا تحدثوا بكل شئ سمعتموه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا بعد التثبت» .. وغيرها ، فعدم صدور هكذا نصوص عنه ، بل أمره بالمنع عن التحديث عموما ، وإحراقه لمدونته ـ كما في الخبر الآتي ـ يدل على أن الأمر لا يرتبط بالتثبت ، بل وراؤه أمر آخر! لأن منهج المتثبت يدعو إلى الحفظ لا الإبادة!
فإن فعله (الإحراق) ، ودعوته إلى ترك التحديث (لا تحدثوا) ، يؤكدان بما لا يقبل التشكيك حقيقة أن الخليفة بصدد منع التحديث والتدوين معا والاكتفاء بالقرآن ، وقد عرفت أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان لا يرتضي هذا الفعل ممن يخلفه ، لقوله : «لا أعرفن» ، و «لا ألفين» ، وقوله : «ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله» ، وقوله : «ألا إن كلامي هو كلام الله».
فالخليفة ـ وبإرجاعه الناس إلى القرآن ـ كان يريد تعبدهم بالقرآن
__________________
(١) كما روي عنه استشارته للصحابة في خبر ميمون ، أنظر : أعلام الموقعين ـ لابن قيم ـ ١ / ٦٢.