أبدا» ، وقوله : «أمنية كأمنية أهل الكتاب» ، فيها دلالة على مشروعية التدوين في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
لأنا قد قرأنا عن المانعين أنهم قد ذهبوا إلى أن الرسول ما مات إلا وأمر التدوين شائع بين المسلمين ، ومعنى كلامهم هذا : أن المنع ليس له عين ولا أثر في أخريات حياته ، كما لم يكن له في أولياتها.
ومثل ذلك نقوله عن كتابة أبي بكر الأحاديث الخمسمائة ، فهو دليل على الجواز وإلا لما كتبها ، قال المعلمي : لو صح هذا ، لكان حجة على ما قلنا من عدم صحة النهي عن كتابة الحديث ، فلو كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقا لما كتب أبو بكر (١).
وقال بعدها : لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قريب ولا بعيد.
وقال الشيخ محمد أبو زهو : «إن النهي كان رأيا من عمر ـ إلى أن يقول : ـ فأراد عمر بثاقب فكره أن يحبس الناس على القرآن حتى يتمكن حفظه من نفوسهم ، وترسيخ صورته في قلوبهم ...» (٢).
وعليه : فالنهي من قبل الشيخين قد شرع لأسباب خاصة بهما ، ولا يرتبط بنهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قريب ولا بعيد.
وقبله الكلام عن الاختلاف بين المسلمين في النقل ، فإنه لا يختص بنقل فضائل علي عليهالسلام وغيره ، أو ما يدل على إمامتهم وخلافتهم فقط ، كما قال أنصار الرأي الأول ، بل الأمر أشمل مما ذكر ، لأن مواقف الخليفة ونقولاته كانت تتعارض مع أقوال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفعاله ، فتحاشيا من
__________________
(١) الأنوار الكاشفة : ٣٨.
(٢) الحديث والمحدثون : ١٢٦ ، وانظر : منع تدوين الحديث ـ لنا ـ : ٣٦٩.