نعم ، إن الأعلام حملوا بعض هذه الأمور على التثبت والتأكد ، ولكن : هل كان ذلك حقا هو من التثبت؟! أم أن هناك شيئا آخر؟!
فلو كانت سياسة الشيخين العامة هي التثبت في قبول الأخبار ، ولزوم إشهاد الآخرين على الأخبار ، فلماذا نراهم يقبلون بخبر الآحاد في سيرتهم العملية ، وهي ليست بالقليلة؟!
فمن تلك الأخبار : قبول عمر بن الخطاب برواية عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الوباء ، وذلك حينما بلغ عمر (سرغ) (١) قاصدا إلى الشام ، فقال له عبد الرحمن : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا سمعتم به [أي الوباء] بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» فرجع عمر من (سرغ) إلى محله (٢).
ومنها : ما روي عن عمر أنه ذكر المجوس ، فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟
فقال له عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب (٣).
وجاء عنه أنه أخذ بقول الضحاك بن سفيان ، من أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) سرغ ـ بفتح أوله ، وسكون ثانيه ، ثم غين معجمة ـ : سروغ الكرم : قضبانه الرطبة ، الواحد سرغ ـ بالغين ـ والعين لغة فيه ، وهو أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام.
أنظر : معجم البلدان ٣ / ٢٣٩ رقم ٦٣٧٦.
(٢) صحيح البخاري ٧ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ح ٤٤ ، أنساب الأشراف ١٠ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٦٣ حوادث سنة ١٧ ه.
(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٨٤ ح ٦ و ٧ ، كنز العمال ٤ / ٥٠٢ ح ١١٤٩٠.