(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) (٥٩)
____________________________________
بالأيمان الفاجرة (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) استئناف مقرر لمضمون ما سبق من أنهم ليسوا من المسلمين وأن التجاءهم إلى الانتماء إليهم إنما هو للتقية اضطرارا حتى أنهم لو وجدوا غير ذلك ملجأ أى مكانا حصينا يلجأون إليه من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة وإيثار صيغة الاستقبال فى الشرط وإن كان المعنى على المضى لإفادة استمرار عدم الوجدان فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضى ليس نصا فى إفادة انتفاء استمرار الفعل كما هو الظاهر بل قد يفيد استمرار انتفائه أيضا حسبما يقتضيه المقام فإن معنى قولك لو تحسن إلى لشكرتك أن انتفاء الشكر بسبب استمرار انتفاء الإحسان لا أنه بسبب انتفاء استمرار الإحسان فإن الشكر يتوقف على وجود الإحسان لا على استمراره كما حقق فى موضعه (أَوْ مَغاراتٍ) أى غيرانا* وكهوفا يخفون فيها أنفسهم وقرىء بضم الميم من أغار الرجل إذا دخل الغور وقيل هو معتد من غار إذا دخل الغور أى أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم وأهليهم ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع بمعنى مهارب ومفار (أَوْ مُدَّخَلاً) أى نفقا يندسون فيه وينجحرون وهو مفتعل من الدخول وقرىء مدخلا* من الدخول ومدخلا من الإدخال أى مكانا يدخلون فيه أنفسهم وقرىء متدخلا ومندخلا من التدخل والاندخال (لَوَلَّوْا) أى لصرفوا وجوههم وأقبلوا وقرىء لوالوا أى لالتجأوا (إِلَيْهِ) أى إلى أحد ما ذكر* (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أى يسرعون بحيث لا يردهم شىء من الفرس الجموح وهو الذى لا يثنيه اللجام وفيه إشعار* بكمال عتوهم وطغيانهم وقرىء يجمزون بمعنى يجمحون ويشتدون ومنه الجمازة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) بكسر الميم وقرىء بضمها أى يعيبك سرا وقرىء يلمزك ويلامزك مبالغة (فِي الصَّدَقاتِ) أى فى شأنها وقسمتها* (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) بيان لفساد لمزهم وأنه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا أى إن أعطوا منها قدر* ما يريدون (رَضُوا) بما وقع من القسمة واستحسنوها (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) ذلك المقدار (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) * أى يفاجئون السخط وإذا نائب مناب فاء الجزاء. قيل نزلت الآية فى أبى الجواظ المنافق حيث قال ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل وقيل فى ابن ذى الخويصرة واسمه حرقوص ابن زهير التميمى رأس الخوارج كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم فقال اعدل يا رسول الله فقال صلىاللهعليهوسلم ويلك إن لم أعدل فمن يعدل وقيل هم المؤلفة قلوبهم والأول هو الأظهر (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) أى ما أعطاهم الرسول صلىاللهعليهوسلم من الصدقات طيبى النفوس به وإن قل وذكر الله عزوجل للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم كان بأمره سبحانه