(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) (٧٧)
____________________________________
قوله تعالى (عَلِيمٌ) توضيح لذلك على معنى أن الرفع المذكور لا يوجب تمام مرامه إذ ليس ذلك بحيث لا يعزب عن علمه شىء بل إنما نرفع كل من نرفع حسب استعداده وفوق كل واحد منهم عليم لا يقادر قدر علمه ولا يكتنه كنهه يرفع كلا منهم إلى ما يليق به من معارج العلم ومدارجه وقد رفع يوسف إلى ما يليق به من الدرجات العالية وعلم أن ما حواه دائرة علمه لا يفى بمرامه فأرشد إخوته إلى الإفتاء المذكور فكان ما كان وكأنه عليهالسلام لم يكن على يقين من صدور الإفتاء المذكور عن إخوته وإن كان على طمع منه فإن ذلك إلى الله عزوجل وجودا وعلما والتعرض لوصف العلم لتعيين جهة الفوقية وفى صيغة المبالغة مع التنكير والالتفات إلى الغيبة من الدلالة على فخامة شأنه عز وعلا وجلالة مقدار علمه المحيط ما لا يخفى وأما إن جعل عبارة عن التعليم المستتبع للإفتاء المذكور فالرفع عبارة عن ذلك التعليم والإفتاء وإن لم يكن داخلا تحت قدرته عليهالسلام لكنه كان داخلا تحت علمه بواسطة الوحى والتعليم والمعنى مثل ذلك التعليم البالغ إلى هذا الحد علمناه ولم نقتصر على تعليم ما عدا الإفتاء الذى سيصدر عن إخوته إذ لم يكن متمكنا من أخذ أخيه إلا بذلك فقوله نرفع درجات من نشاء توضيح لقوله كدنا وبيان لأن ذلك من باب الرفع إلى الدرجات العالية من العلم ومدح ليوسف برفعه إليها وقوله (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) تذييل له أى نرفع درجات عالية من العلم من نشاء رفعه وفوق كل منهم عليم هو أعلى درجة قال ابن عباس رضى الله عنهما فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهى العلم إلى الله تعالى والمعنى أن إخوة يوسف عليهالسلام كانوا علماء إلا أن يوسف عليهالسلام أفضل منهم وقرىء درجات من نشاء بالإضافة والأول أنسب بالتذييل حيث نسب فيه الرفع إلى من نسب إليه الفوقية لا إلى درجته ويجوز أن يكون العليم فى هذا التفسير أيضا عبارة عن الله عزوجل أى وفوق كل من أولئك المرفوعين عليم يرفع كلا منهم إلى درجته اللائقة به والله تعالى أعلم (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ) يعنون بنيامين (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يريدون به يوسف عليهالسلام وما جرى عليه من جهة عمته على ما قيل من أنها كانت تحضنه فلما شب أراد يعقوب عليهالسلام انتزاعه منها وكانت لا تصبر عنه ساعة وكانت لها منطقة ورثتها من أبيها إسحق عليهالسلام فاحتالت لاستبقاء يوسف عليهالسلام فعمدت إلى المنطقة فحزمتها عليه من تحت ثيابه ثم قالت فقدت منطقة إسحق عليهالسلام فانظروا من أخذها فوجدوها محزومة على يوسف فقالت إنه لى سلم أفعل به ما أشاء فخلاه يعقوب عليهالسلام عندها حتى ماتت وقيل كان أخذ فى صباه صنما لأبى أمه فكسره وألقاه فى الجيف* وقيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه (فَأَسَرَّها يُوسُفُ) أى أكن الحزازة الحاصلة مما قالوا (فِي نَفْسِهِ) لا أنه أسرها لبعض أصحابه كما فى قوله تعالى (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) لا قولا ولا فعلا صفحا عنهم وحلما وهو تأكيد لما سبق (قالَ) أى فى نفسه وهو استئناف