(قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢٦)
____________________________________
* (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ما نافيه أى ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم قيل المراد به الضرب بالسياط أو استفهامية أى أى شىء جزاؤه غير ذاك أو ذلك ولقد أتت فى تلك الحالة التى تدهش فيها الفطن حيث شاهدها العزيز على تلك الهيئة المريبة بحيلة جمعت فيها غرضيها وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر الحال واستنزال يوسف عن رأيه فى استعصائه عليها وعدم مواتاته على مرادها بإلقاء الرعب فى قلبه من مكرها طمعا فى مواقعته لها كرها عند يأسها عن ذلك اختيارا كما قالت ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ثم إنها جعلت صدور الإرادة المذكورة عن يوسف عليهالسلام أمرا محققا مفروغا عنه غنيا عن الإخبار بوقوعه وأن ما هى عليه من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائها فهى تريد إيقاعه حسبما يقتضيه قانون الإيالة وفى إبهام المريد تهويل لشأن الجزاء المذكور بكونه قانونا مطردا فى حق كل أحد كائنا من كان وفى ذكر نفسها بعنوان أهلية العزيز إعظام للخطب وإغراء له على تحقيق ما تتوخاه بحكم الغضب والحمية (قالَ) استئناف وجواب عما يقال فماذا قال يوسف حينئذ فقيل* قال (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) أى طالبتنى للمواتاة لا أنى أردت بها سوءا كما قالت وإنما قاله عليهالسلام لتنزيه نفسه عما أسند إليه من الخيانة وعدم معرفة حق السيد ودفع ما عرضته له من الأمرين الأمرين وفى التعبير عنها بضمير الغيبة دون الخطاب أو اسم الإشارة مراعاة لحسن الأدب مع الإيماء إلى* الإعراض عنها (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قيل هو ابن عمها وقيل هو الذى كان جالسا مع زوجها لدى الباب وقيل كان حكيما يرجع إليه الملك ويستشيره وقد جوز أن يكون بعض أهلها قد بصر بها من حيث لا تشعر فأغضبه الله تعالى ليوسف عليهالسلام بالشهادة له والقيام بالحق وإنما ألقى الله سبحانه الشهادة إلى من هو من أهلها ليكون أدل على نزاهته عليهالسلام وأنفى للتهمة وقيل كان الشاهد ابن خال لها صبيا فى المهد أنطقه الله تعالى ببراءته وهو الأظهر فإنه روى أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة بنت فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى عليهالسلام رواه الحاكم عن أبى هرير رضى الله عنه وقال صحيح على شرط الشيخين وذكر كونه من أهلها لبيان الواقع إذ لا يختلف الحال فى هذه الصورة بين كون* الشاهد من أهلها أو من غيرهم (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) أى إن علم أنه قد من قبل من قبل ونظيره إن أحسنت إلى فقد أحسنت إليك فيما قبل فإن معناه إن تعتد بإحسانك إلى فاعتد بإحسانى السابق إليك* (فَصَدَقَتْ) بتقدير قد لأنها تقرب الماضى إلى الحال أى فقد صدقت وكذا الحال فى قوله (فَكَذَبَتْ) وهى وإن لم تصرح بأنه عليهالسلام أراد بها سوءا إلا أن كلامها حيث كان واضح الدلالة عليه أسند إليها الصدق والكذب بذلك الاعتبار فإنهما كما يعرضان للكلام باعتبار منطوقه يعرضان له باعتبار* ما يستلزمه وبذلك الاعتبار يعترضان للإنشاءات (وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) وهذه الشرطية حيث لأملازمة