(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (١٠)
____________________________________
ظاهر الحال. روى أنه كان أحب إليه لما يرى فيه من مخايل الخير وكانت إخوته يحسدونه فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة بحيث لم يصبر عنه فتضاعف حسدهم حتى حملهم على مباشرة ما قص عنهم (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) من جملة ما حكى بعد قوله إذا قالوا وقد قاله بعض منهم مخاطبا للباقين بقضية الصيغة فكأنهم رضوا بذلك كما يروى أن القائل شمعون أو دان والباقون كانوا راضين إلا من قال لا تقتلوا الخ فجعلوا كأنهم القائلون وأدرجوا تحت القول المسند إلى الجميع أو قاله كل واحد منهم مخاطبا للبقية وهو أدل على مسارعتهم إلى ذلك القول وتنكير أرضا وإخلاؤها من الوصف للإبهام أى أرضا منكورة* مجهولة بعيدة من العمران ولذلك نصبت نصب الظروف المبهمة (يَخْلُ) بالجزم جواب للأمر أى يخلص* (لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) فيقبل عليكم بكليته ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا يساهمكم فى محبته أحد فذكر الوجه* لتصوير معنى إقباله عليهم (وَتَكُونُوا) بالجزم عطفا على يخل أو بالنصب على إضمار أن أو الواو بمعنى مع مثل قوله وتكتموا الحق وإيثار الخطاب فى لكم وما بعده للمبالغة فى حملهم على القبول فإن اعتناء* المرء بشأن نفسه واهتمامه بتحصيل منافعه أتم وأكمل (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد يوسف أى من بعد الفراغ* من أمره أو قتله أو طرحه (قَوْماً صالِحِينَ) تائبين إلى الله تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بإصلاح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه أو صالحين فى أمور دنياكم بانتظامها بعده بخلو وجه أبيكم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا وهو الذى قال (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) الخ وقيل روبيل وهو استئناف مبنى على سؤال من سأل وقال أتفقوا على ما عرض عليهم من خصلتى الضيع أم خالفهم فى ذلك أحد فقيل قال* قائل منهم (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) أظهره فى مقام الإضمار استجلابا لشفقتهم عليه أو استعظاما لقتله وهو هو فإنه يروى أنه قال لهم القتل عظيم ولم يصرح بنهيهم عن الخصلة الأخرى وأحاله على أولوية ما عرضه* عليهم بقوله (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) أى فى قعره وغوره سمى بها لغيبته عن عين الناظر والجب البئر التى لم تطو بعد لأنها أرض جبت جبا من غير أن يزاد على ذلك شىء وقرأ نافع فى غيابات الجب فى الموضعين كأن لتلك الجب غيابات أو أراد بالجب الجنس أى فى بعض غيابات الجب وقرىء غيابات وغيبة* (يَلْتَقِطْهُ) يأخذه على وجه الصيانة عن الضياع والتلف فإن الالتقاط أخذ شىء مشرف على الضياع* (بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أى بعض طائفة تسير فى الأرض واللام فى السيارة كما فى الجب وما فيهما وفى بعض من الإبهام لتحقيق ما يتوخاه من ترويج كلامه بموافقته لغرضهم الذى هو تنائى يوسف عنهم بحيث لا يدرى أثره ولا يروى خبره وقرىء تلتقطه على التأنيث لأن بعض السيارة سيارة كقوله [كما شرقت صدر القناة من الدم] ومنه قطعت بعض أصابعه (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) بمشورتى لم يبت القول عليهم بل إنما عرض