(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (٧٧)
____________________________________
وعنادهم إن هذا لسحر مبين أى ظاهر كونه سحرا أو فائق فى بابه واضح فيما بين أضرابه وقرىء لساحر (قالَ مُوسى) استئناف مبنى على سؤال تنساق إليه الأذهان كأنه قيل فماذا قال لهم موسى حينئذ فقيل* قال على طريقة الاستفهام الإنكارى التوبيخى (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ) الذى هو أبعد شىء من السحر الذى* هو الباطل البحت (لَمَّا جاءَكُمْ) أى حين مجيئه إياكم ووقوفكم عليه أو من أول الأمر من غير تأمل وتدبر وكلا الحالين مما ينافى القول المذكور والمقول محذوف ثقة بدلالة ما قبله وما بعده عليه وإيذانا بأنه مما لا ينبغى أن يتفوه به ولو على نهج الحكاية أى أتقولون له ما تقولون من أنه سحر يعنى به أنه مما لا يمكن أن يقوله قائل ويتكلم به متكلم أو القول بمعنى العيب والطعن من قولهم فلان يخاف القالة وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوؤه ونظيره الذكر فى قوله تعالى (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) الخ فيستغنى عن المفعول* أى أتعيبونه وتطعنون فيه وعلى الوجهين فقوله عزوجل (أَسِحْرٌ هذا) إنكار مستأنف من جهته عليهالسلام لكونه سحرا وتكذيب لقولهم وتوبيخ لهم على ذلك إثر توبيخ وتجهيل بعد تجهيل أما على الأول فظاهر وأما على الثانى فوجه إيثار إنكار كونه سحرا على إنكار كونه معيبا بأن يقال مثلا أفيه عيب حسبما يقتضيه ظاهر الإنكار السابق التصريح بالرد عليهم فى خصوصية ما عابوه به بعد التنبيه بالإنكار السابق على أن ليس فيه شائبة عيب ما وما فى هذا من معنى القرب لزيادة تعيين المشار إليه واستحضار ما فيه من الصفات الدلة على كونه آية باهرة من آيات الله المنادية على امتناع كونه سحرا أى أسحر هذا الذى أمره واضح مكشوف وشأنه مشاهد معروف بحيث لا يرتاب فيه أحد ممن له عين مبصرة وتقديم الخبر للإيذان بأنه مصب الإنكار ولما استلزم كونه سحرا كون من أتى به ساحرا أكد الانكار السابق وما فيه من التوبيخ* والتجهيل بقوله عزوجل (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) وهو جملة حالية من ضمير المخاطبين والرابط هو الواو بلا ضمير كما فى قول من قال [جاء الشتاء ولست أملك عدة] وقولك جاء زيد ولم تطلع الشمس أى أتقولون للحق إنه سحر والحال أنه لا يفلح فاعله أى لا يظفر بمطلوب ولا ينجو من مكروه فكيف يمكن صدوره من مثلى من المؤيدين من عند الله العزيز الحكيم الفائزين بكل مطلب الناجين من كل محذور وقوله تعالى (أَسِحْرٌ هذا) جملة معترضة بين الحال وصاحبها أكد بها الإنكار السابق ببيان استحالة كونه سحرا بالنظر إلى ذاته قبل بيان استحالته بالنظر إلى صدوره عنه عليهالسلام هذا وأما تجوير أن يكون الكل مقول القول على أن المعنى أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح ولا يفلح الساحرون فمما لا يساعده النظم الكريم أصلا أما أولا فلأن ما قالوا هو الحكم بأنه سحر من غير أن يكون فيه دلالة على ما تعسف فيه من المعنى بوجه من الوجوه فصرف جوابه صلىاللهعليهوسلم عن صريح ما خاطبوه به إلى ما لا يفهم منه أصلا مما يجب تنزيه النظم التنزيلى عن الحمل على أمثاله وأما ثانيا فلان التعرض لعدم إفلاح السحرة على الإطلاق من وظائف من يتمسك بالحق المبين دون الكفرة المتشبثين بأذيال بعض منهم فى معارضته صلىاللهعليهوسلم ولو كان ذلك من كلامهم لناسب تخصيص عدم الإفلاح بمن زعموه ساحرا بناء على غلبة من يأتون به من السحرة وأما ثالثا فلأن قوله عزوجل