(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) (٧٦)
____________________________________
عند اجتماع المكذبين هو التكذيب الواقع بعد الدعوة حسبما يعرب عنه قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وإنما ذكر ما وقع قبلها بيانا لعراقتهم فى الكفر والتكذيب وعلى التقديرين فالضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع وقيل ضمير كذبوا راجع إلى قوم نوح عليهالسلام والمعنى فما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب بمثله قوم نوح ولا يخفى ما فيه من التعسف وقيل الباء للسببية أى بسبب تعودهم تكذيب الحق وتمرنهم عليه قبل بعثة الرسل ولا يخفى أن ذلك يؤدى إلى مخالفة الجمهور من جعل ما المصدرية من قبيل الأسماء كما هو رأى الأخفش وابن السراج ليرجع إليها الضمير وفى إرجاعه إلى الحق بادعاء كونه مركوزا فى الأذهان ما لا يخفى من التعسف (كَذلِكَ) أى مثل ذلك الطبع المحكم (نَطْبَعُ) بنون العظمة* وقرىء بالياء على أن الضمير لله سبحانه (عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) المتجاوزين عن الحدود المعهودة فى الكفر* والعناد المتجافين عن قبول الحق وسلوك طريق الرشاد وذلك بخذلاتهم وتخليتهم وشأنهم لانهما كهم فى الغى والضلال وفى أمثال هذا دلالة على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد (ثُمَّ بَعَثْنا) عطف على قوله تعالى (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) عطف قصة على قصة (مِنْ بَعْدِهِمْ) أى من بعد* أولئك الرسل عليهمالسلام (مُوسى وَهارُونَ) خصت بعثتهما عليهماالسلام بالذكر ولم يكتف باندراج* خبرهما فيما أشير إليه إشارة إجمالية من أخبار الرسل عليهمالسلام مع أقوامهم وأوثر فى ذلك ضرب تفصيل إيذانا بخطر شأن القصة وعظم وقعها كما فى نبأ نوح عليهالسلام (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أى أشراف* قومه وتخصيصهم بالذكر لأصالتهم فى إقامة المصالح والمهمات ومراجعة الكل إليهم فى النوازل والملمات (بِآياتِنا) أى ملتبسين بها وهى الآيات المفصلات فى الأعراف (فَاسْتَكْبَرُوا) الاستكبار ادعاء الكبر* من غير استحقاق والفاء فصيحة أى فأتياهم فبلغاهم الرسالة فاستكبروا عن اتباعهما وذلك قول اللعين لموسى عليهالسلام ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين الخ (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) اعتراض مقرر* لمضمون ما قبله أى كانوا معتادين لارتكاب الذنوب العظام فإن الإجرام مؤذن بعظم الذنب ومنه الجرم أى الجثة فلذلك اجترءوا على ما اجترءوا عليه من الاستهانة برسالة الله تعالى وحمل الاستكبار على الامتناع عن قبول الآيات لا يساعده قوله عز وعلا (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) فإنه صريح فى أن المراد باستكبارهم ما وقع منهم قبل مجىء الحق الذى سموه سحرا أعنى العصا واليد البيضاء كما ينبىء عنه سياق النظم الكريم وذلك أول ما أظهره صلىاللهعليهوسلم من الآيات العظام والفاء فيه أيضا فصيحة معربة عما صرح به فى مواضع أخر كأنه قيل قال موسى (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى قوله تعالى (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) فلما جاءهم الحق من عندنا وعرفوه قالوا من فرط عتوهم