(الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٦٣)
____________________________________
ضارها أو يحزنوا بفوات نافعها وقوله عزوجل (الَّذِينَ آمَنُوا) أى بكل ما جاء من عند الله تعالى (وَكانُوا يَتَّقُونَ) أى يقون أنفسهم عما يحق وقايتها عنه من الأفعال والتروك وقاية دائمة حسبما يفيده الجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل بيان وتفسير لهم وإشارة إلى ما به نالوا ما نالوا على طريقة الاستئناف المبنى على السؤال ومحل الموصول الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل من أولئك وما سبب فوزهم بتلك الكرامة فقيل هم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى المفضيين إلى كل خير المنحيين عن كل شر وقيل محله النصب أو الرفع على المدح أو على أنه وصف مادح للأولياء ولا يقدح فى ذلك توسط الخبر والمراد بالتقوى المرتبة الثالثة منها الجامعة لما تحتها من مرتبة التوقى عن الشرك التى يفيدها الإيمان أيضا ومرتبة التجنب عن كل ما يؤثم من فعل وترك أعنى تنزه الإنسان عن كل ما يشغل سره عن الحق والتبتل إليه بالكلية وهى التقوى الحقيقى المأمور به فى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) وبه يحصل الشهود والحضور والقرب الذى عليه يدور إطلاق الاسم عليه وهكذا كان حال كل من دخل معه صلىاللهعليهوسلم تحت الخطاب بقوله عزوجل (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) خلا أن لهم فى شأن التبتل والتنزه درجات متفاوتة حسب تفاوت درجات استعداداتهم الفائضة عليهم بموجب المشيئة المبنية على الحكم الأبية أقصاها ما انتهى إليه همم الأنبياء عليهمالسلام حتى جمعوا بذلك بين رياستى النبوة والولاية ولم يعقهم التعلق بعالم الأشباح عن الاستغراق فى عالم الأرواح ولم تصدهم الملابسة بمصالح الخلق عن التبتل إلى جناب الحق لكمال استعداد نفوسهم الزكية المؤيدة بالقوة القدسية فملاك أمر الولاية هو التقوى المذكور فأولياء الله هم المؤمنون المتقون ويقرب منه ما قيل من أنهم الذين تولى الله هدايتهم بالبرهان وتولوا القيام بحق عبودية الله تعالى والدعوة إليه ولا يخالفه ما قيل من أنهم الذين يذكر الله برؤيتهم لما روى عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل من أولياء الله فقال هم الذين يذكر الله برؤيتهم أى بسمتهم وإخباتهم وسكينتهم ولا ما قيل من أنهم المتحابون فى الله لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال سمعت النبى صلىاللهعليهوسلم يقول إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله قالوا يا رسول الله خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا فى الله على غير أرحام منهم ولا أموال يتعاطونها فو الله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس فإن ما ذكر من حسن السمت والسكينة المذكرة لله تعالى والتحاب فى الله سبحانه من الأحكام الدنيوية اللازمة للإيمان والتقوى والآثار الخاصة بهما الحقيقة بالتخصيص بالذكر لظهورها وقربها من أفهام الناس قد أورد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلا من ذلك حسبما يقتضيه مقام الإرشاد والتذكير ترغيبا للسائلين أو غيرهم من الحاضرين فيما خصه بالذكر هناك من أحكامهما فلعل الحاضرين أولا كانوا محتاجين إلى إصلاح الحال من جهة الأقوال والأفعال والملابس ونحو ذلك والحاضرين ثانيا مفتقرين إلى تأليف قلوبهم وعطفها نحو المؤمنين الذين لا علاقة بينهم وبينهم من جهة النسب والقرابة وتأكيد ما بينهم من الأخوة