(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٢١)
____________________________________
(وَيَقُولُونَ) حكاية لجناية أخرى لهم معطوفة على قوله تعالى (وَيَعْبُدُونَ) وصيغة المضارع لاستحضار صورة مقالتهم الشنعاء والدلالة على الاستمرار والقائلون أهل مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أرادوا آية من* الآيات التى اقترحوها كأنهم لفرط العتو والفساد ونهاية التمادى فى المكابرة والعناد لم يعدوا البينات النازلة عليه صلىاللهعليهوسلم من جنس الآيات واقترحوا غيرها مع أنه قد أنزل عليه من الآيات الباهرة والمعجزات المتكاثرة ما يضطرهم إلى الانقياد والقبول لو كانوا من أرباب العقول (فَقُلْ) لهم فى الجواب (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) اللام* للاختصاص العلمى دون التكوينى فإن الغيب والشهادة فى ذلك الاختصاص سيان والمعنى أن ما اقترحتموه وزعمتم أنه من لوازم النبوة وعلقتم إيمانكم بنزوله من الغيوب المختصة بالله تعالى لا وقوف لى عليه (فَانْتَظِرُوا) * نزوله (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) أى لما يفعل الله بكم لاجترائكم على مثل هذه العظيمة من جحود الآيات واقتراح غيرها وجعل الغيب عبارة عن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة يأباه ترتيب الأمر بالانتظار على اختصاص الغيب به تعالى (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) صحة وسعة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) أى خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم وإسناد المساس إلى الضراء بعد إسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية كما فى قوله تعالى (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ونظائره. قيل سلط الله تعالى على أهل مكة القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم بالحيا فطفقوا يطعنون فى آياته تعالى ويعادون رسوله صلىاللهعليهوسلم ويكيدونه وذلك قوله تعالى (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) أى بالطعن فيها وعدم الاعتداد بها والاحتيال فى دفعها وإذا* الأولى شرطية والثانية جوابها كأنه قيل فاجؤوا وقوع المكر منهم وتنكير مكر للتفخيم وفى متعلقة بالاستقرار الذى يتعلق به اللام (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أى أعجل عقوبة أى عذابه أسرع وصولا إليكم* مما يأتى منكم فى دفع الحق وتسمية العقوبة بالمكر لوقوعها فى مقابلة مكرهم وجودا أو ذكرا (إِنَّ رُسُلَنا) * الذين يحفظون أعمالكم والإضافة للتشريف (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أى مكركم أو ما تمكرونه وهو تحقيق* للانتقام منهم وتنبيه على أن ما دبروا فى إخفائه غير خاف على الحفظة فضلا عن العليم الخبير وصيغة الاستقبال فى الفعلين للدلالة على الاستمرار التجددى والجملة تعليل من جهته تعالى لأسرعية مكره سبحانه غير داخل فى الكلام الملقن كقوله تعالى (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) فإن كتابة الرسل لما يمكرون من مبادى بطلان مكرهم وتخلف أثره عنه بالكلية وفيه من المبالغة ما لا يوصف وتلوين الخطاب بصرفه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم للتشديد فى التوبيخ وقرىء على لفظ الغيبة فيكون حينئذ تعليلا لما ذكر أو للأمر