(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٧١)
____________________________________
خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته وقهره شىء منها فمن هذا شأنه فهو قادر على تعذيبكم بكفركم لا محالة أو فمن كان كذلك فهو غنى عنكم وعن غيركم لا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بإيمانكم وقيل فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لأمره (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) مبالغا فى العلم فهو عالم بأحوال الكل فيدخل فى ذلك علمه تعالى بكفرهم دخولا أوليا (حَكِيماً) مراعيا للحكمة فى جميع أفعاله التى من جملتها تعذيبه تعالى إياهم بكفرهم (يا أَهْلَ الْكِتابِ) تجريد للخطاب وتخصيص له بالنصارى زجرا لهم عما هم عليه من الكفر والضلال (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) بالإفراط فى رفع شأن عيسى عليهالسلام وادعاء ألوهيته وأما غلو اليهود فى حط رتبته عليهالسلام ورميهم له بأنه ولد لغير رشدة فقد نعى عليهم ذلك فيما سبق (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) أى لا تصفوه بما يستحيل اتصافه به من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد بل نزهوه عن جميع ذلك (إِنَّمَا الْمَسِيحُ) قد مر تفسيره فى سورة آل عمران وقرىء بكسر الميم وتشديد السين كالسكيت على صيغة المبالغة وهو مبتدأ وقوله تعالى (عِيسَى) بدل منه أو عطف بيان له وقوله تعالى (ابْنُ مَرْيَمَ) صفة له مفيدة لبطلان ما وصفوه عليهالسلام به من بنوته لله تعالى وقوله تعالى (رَسُولُ اللهِ) خبر للمبتدأ والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهى عن القول الباطل المستلزم للأمر بضده أعنى الحق أى أنه مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها (وَكَلِمَتُهُ) عطف على رسول الله أى مكون بكلمته وأمره الذى هو كن من غير واسطة أب ولا نطفة (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) أى أوصلها إليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليهالسلام وقيل أعلمها إياها وأخبرها بها بطريق البشارة وذلك قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) وقيل الجملة حال من ضميره عليهالسلام المستكن فيما دل عليه وكلمته من معنى المشتق الذى هو العامل فيها وقد مقدرة معها (وَرُوحٌ مِنْهُ) قيل هو الذى نفخ جبريل عليهالسلام فى درع مريم فحملت بأذن الله تعالى سمى النفخ روحا لأنه ريح تخرج من الروح ومن لابتداء الغاية مجازا لا تبعيضية كما زعمت النصارى يحكى أن طبيبا حاذقا نصرانيا للرشيد ناظر على بن حسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له إن فى كتابكم ما يدل على أن عيسى عليهالسلام جزء منه تعالى وتلا هذه الآية فقرأ الواقدى وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه فقال إذن يلزم أن يكون جميع تلك الأشياء جزءا منه تعالى علوا كبيرا فانقطع النصرانى فأسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل الواقدى بصلة فاخرة. وهى متعلقة بمحذوف وقع صفة لروح أى كائنة من جهته تعالى جعلت منه تعالى وإن كانت بنفخ جبريل عليهالسلام لكون النفخ بأمره سبحانه وقيل سمى روحا لإحيائه الأموات وقيل لإحيائه القلوب كما سمى به القرآن