(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٦٥)
____________________________________
قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ثم يعتبر بينه وبين المذكور مماثلة مصححة للتشبيه على أن تقديره فى رسلا الأول يقتضى تقدير نفيه فى الثانى وذلك أشد استحالة وأظهر بطلانا (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى) برفع الجلالة ونصب موسى وقرىء على القلب وقول تعالى (تَكْلِيماً) مصدر مؤكد رافع لاحتمال المجاز قال الفراء العرب تسمى ما وصل إلى الإنسان كلاما بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام والجملة إما معطوفة على قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) عطف القصة على القصة لا على آتينا وما عطف عليه وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات والمعنى أن التكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحى خص به موسى من بينهم فلم يكن ذلك قادحا فى نبوة سائر الأنبياء عليهمالسلام فكيف يتوهم كون نزول التوراة عليه عليهالسلام جملة قادحا فى صحة نبوة من أنزل عليه الكتاب مفصلا مع ظهور أن نزولها كذلك لحكم مقتضية لذلك من جملتها أن بنى إسرائيل كانوا فى العناد وشدة الشكيمة بحيث لو لم يكن نزولها كذلك لما آمنوا بها ومع ذلك ما آمنوا بها إلا بعد اللئيا والتى وقد فضل الله تعالى نبينا محمداصلىاللهعليهوسلم بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم صلىاللهعليهوسلم تسليما كثيرا (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) نصب على المدح أو بإضمار أرسلنا أو على الحال بأن يكون رسلا موطئا لما بعده أو على البدلية من رسلا الأول أى مبشرين لأهل الطاعة بالجنة ومنذرين للعصاة بالنار (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) أى معذرة يعتذرون بها قائلين لو لا أرسلت إلينا رسولا فيبين لنا شرائعك ويعلمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك لقصور القوة البشرية عن إدراك جزئيات المصالح وعجز أكثر الناس عن إدراك كلياتها كما فى قوله عزوجل (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) الآية وإنما سميت حجة مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجة فى فعل من أفعاله بل له أن يفعل ما يشاء كما يشاء للتنبيه على أن المعذرة فى القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التى لا مرد لها ولذلك قال تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) قال النبى صلىاللهعليهوسلم ما أحد أغير من الله تعالى ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما أحد أحب إليه المدح من الله تعالى ولذلك مدح نفسه وما أحد أحب إليه العذر من الله تعالى ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب فاللام متعلقة بأرسلنا وقيل بقوله تعالى (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) وحجة اسم كان وللناس خبرها وعلى الله متعلق بمحذوف وقع حالا من حجة أى كائنة على الله أو هو الخبر وللناس حال على الوجه المذكور ويجوز أن يتعلق كل منهما بما تعلق به الآخر الذى هو الخبر ولا يجوز التعلق بحجة لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه وقوله تعالى (بَعْدَ الرُّسُلِ) أى بعد إرسالهم وتبليغ الشرائع إلى الأمم على ألسنتهم متعلق بحجة أو بمحذوف وقع صفة لها لأن الظروف يوصف بها الأحداث كما يخبر بها عنها نحو القتال يوم الجمعة (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغالب فى أمر من أموره ومن قضيته الامتناع عن الإجابة إلى مسألة المتعنتين (حَكِيماً) فى جميع أفعاله التى من جملتها إرسال الرسل وإنزال الكتب فإن تعدد الرسل والكتب واختلافها فى كيفية النزول وتغايرها