(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٤٩)
____________________________________
دخولا أوليا فالجملة اعتراض تذييلى مقرر لما سبق ووضع الاسم الجليل موضع الضمير بطريق الالتفات لتربية المهابة وتعليل الحكم وتقوية ما فى الاعتراض من الاستقلال (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان ببيان استحالة المغفرة بدونه فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ويطمعون فى المغفرة كما فى قوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) أى على التحريف ويقولون سيغفر لنا والمراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليا فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة وقضى بخلود أصناف الكفرة فى النار ونزوله فى حق اليهود كما قال مقاتل وهو الأنسب بسباق النظم الكريم وسياقه لا يقتضى اختصاصه بكفرهم بل يكفى اندراجه فيه قطعا بل لا وجه له أصلا لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم فى الشدة من أنواع الكفر أى لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدى إلى فتحه ولأن ظلمات الكفر والمعاصى إنما يسترها نور الإيمان فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شىء من الكفر والمعاصى (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) عطف على خبر إن وذلك إشارة إلى الشرك وما فيه من معنى البعد مع قربه فى الذكر للإيذان ببعد درجته وكونه فى أقصى مراتب القبح أى ويغفر ما دونه فى القبح من المعاصى صغيرة كانت أو كبيرة تفضلا من لدنه وإحسانا من غير توبة عنها لكن لا لكل أحد بل (لِمَنْ يَشاءُ) أى لمن يشاء أن يغفر له ممن اتصف به فقط لا بما فوقه فإن مغفرتهما لمن اتصف بهما سواء فى استحالة الدخول تحت المشيئة المبنية على الحكمة التشريعية فإن اختصاص مغفرة المعاصى من غير توبة بأهل الإيمان من متممات الترغيب فيه والزجر عن الكفر ومن علق المشيئة بكلا الفعلين وجعل الموصول الأول عبارة عمن لم يتب والثانى عمن تاب فقد ضل سواء الصواب كيف لا وأن مساق النظم الكريم لإظهار كمال عظم جريمة الكفر وامتيازه عن سائر المعاصى ببيان استحالة مغفرته وجواز مغفرتها فلو كان الجواز على تقدير التوبة لم يظهر بينهما فرق للإجماع على مغفرتهما بالتوبة ولم يحصل ما هو المقصود من الزجر البليغ عن الكفر والطغيان والحمل على التوبة والإيمان (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) إظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار لزيادة تقبيح الإشراك وتفظيع حال من يتصف به (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) أى افترى واختلق مرتكبا إثما لا يقادر قدره ويستحقر دونه جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) تعجيب من حالهم المنافية لما هم عليه من الكفر والطغيان والمراد بهم اليهود الذين يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل ناس من اليهود جاءوا بأطفالهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا هل على هؤلاء ذنب فقال صلىاللهعليهوسلم لا قالوا ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر