(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢٣)
____________________________________
تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله كما فى قوله تعالى (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) من يفعل من ذلكم من شىء أو غير ذلك وحاصله تنشيط المخاطبين وحثهم على الانتهاء عما نهوا عنه هذا هو الذى يستدعيه عموم الخطاب فى النهى بجعل المنهى عنه القدر المشترك المنتظم لإنشاء الانتهاء كما هو المطلوب من الكفرة وللثبات عليه كما هو شأن المؤمنين حسبما مر مثله فى الأمر وأما صرف التقييد إلى نفس النهى فيستدعى تخصيص الخطاب بالكفرة لا محالة إذ لا يتسنى ذلك بطريق قصر النهى على حالة العلم ضرورة شمول التكليف للعالم والجاهل المتمكن من العلم بل إنما يتأتى بطريق المبالغة فى التوبيخ والتقريع بناء على أن تعاطى القبائح من العالمين بقبحها أقبح وذلك إنما يتصور فى حق الكفرة فمن صرف التقييد إلى نفس النهى مع تعميم الخطاب للمؤمنين أيضا فقد نأى عن التحقيق إن قلت أليس فى تخصيصه بالكفرة فى الأمر والنهى خلاص من أمثال ما مر من التكلفات وحسن انتظام بين السباق والسياق إذ لا محيد فى آية التحدى من تجريد الخطاب وتخصيصه بالكفرة لا محالة مع ما فيه من رباء محل المؤمنين ورفع شأنهم عن جبر الانتظام فى سلك الكفرة والإيذان بأنهم مستمرون على الطاعة والعبادة حسبما مر فى صدر السورة الكريمة مستغنون فى ذلك عن الأمر والنهى قلت بلى إنه وجه سرى ونهج سوى لا يضل من ذهب إليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه فتأمل (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) شروع فى تحقيق أن الكتاب الكريم الذى من جملته ما تلى من الآيتين الكريمتين الناطقتين بوجوب العبادة والتوحيد منزل من عند الله عزوجل على رسوله صلىاللهعليهوسلم كما أن ما ذكر فيهما من الآيات التكوينية الدالة على ذلك صادرة عنه تعالى لتوضيح اتصافه بما ذكر فى مطلع السورة الشريفة من النعوت الجليلة التى من جملتها نزاهته عن أن يعتريه ريب ما والتعبير عن اعتقادهم فى حقه بالريب مع أنهم جازمون بكونه من كلام البشر كما يعرب عنه قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إما للإيذان بأن أقصى ما يمكن صدوره عنهم وإن كانوا فى غاية ما يكون من المكابرة والعناد هو الارتياب فى شأنه وأما الجزم المذكور فخارج من دائرة الاحتمال كما أن تنكيره وتصديره بكلمة الشك للإشعار بأن حقه أن يكون ضعيفا مشكوك الوقوع وإما للتنبيه على أن جزمهم ذلك بمنزلة الريب الضعيف لكمال وضوح دلائل الإعجاز ونهاية قوتها وإنما لم يقل وإن ارتبتم فيما نزلنا الخ لما أشير إليه فيما سلف من المبالغة فى تنزيه ساحة التنزيل عن شائبة وقوع الريب فيه حسبما نطق به قوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) والإشعار بأن ذلك إن وقع فمن جهتهم لا من جهته العالية واعتبار استقرارهم فيه وإحاطته بهم لا ينافى اعتبار ضعفه وقلته لما أن ما يقتضيه ذلك هو دوام ملابستهم به لا قوته وكثرته ومن فى مما ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لريب وحملها على السببية ربما يوهم كونه محلا للريب فى الجملة وحاشاه ذلك وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن الكتاب الكريم لا عن القدر المشترك بينه وبين أبعاضه وليس معنى كونهم