(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٥)
____________________________________
بالمعانى إنما هو بتوسط تعلقه بالأعيان المستتبعة لها فنزول ما عدا الصحف من الكتب الإلهية إلى الرسل عليهمالسلام والله تعالى أعلم بأن يتلقاها الملك من جنابه عزوجل تلقيا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ فينزل بها إلى الرسل فيلقيها عليهم عليهمالسلام والمراد بما أنزل إليك هو القرآن بأسره والشريعة عن آخرها والتعبير عن إنزاله بالماضى مع كون بعضه مترقبا حينئذ لتغليب المحقق على المقدار أو لتنزيل ما فى شرف الوقوع لتحققه منزلة الواقع كما فى قوله تعالى (إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) مع أن الجن ما كانوا سمعوا الكتاب جميعا ولا كان الجميع إذ ذلك نازلا وبما أنزل من قبلك التورية والإنجيل وسائر الكتب السالفة وعدم التعريض لذكر من أنزل إليه من الأنبياء عليهمالسلام لقصد الإيجاز مع عدم تعلق الغرض بالتفصيل حسب تعلقه به فى قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) الآية والإيمان بالكل جملة فرض وبالقرآن تفصيلا من حيث إنا متعبدون بتفاصيله فرض كفاية فإن فى وجوبه على الكل عينا حرجا بينا وإخلالا بأمر المعاش وبناء الفعلين للمفعول للإيذان بتعين الفاعل والجرى على سنن الكبرياء وقد قرئا على البناء للفاعل. (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الإيقان إتقان العلم بالشىء بنفى الشك والشبهة عنه ولذلك لا يسمى علمه تعالى يقينا أى يعلمون علما قطعيا مزيحا لما كان أهل الكتاب عليه من الشكوك والأوهام التى من جملتها زعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات واختلافهم فى أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا وهل هو دائم أو لا وفى تقديم الصلة وبناء يوقنون على الضمير تعريض بمن عداهم من أهل الكتاب فإن اعتقادهم فى أمور الآخرة بمعزل من الصحة فضلا عن الوصول إلى مرتبة اليقين والآخرة تأنيث الآخر كما أن الدنيا تأنيث الأدنى غلبتا على الدارين فجرتا مجرى الأسماء وقرىء بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وقرىء يؤقنون بقلب الواو همزة إجراء لضم ما قبلها مجرى ضمها فى وجوه ووقتت ونظيره ما فى قوله[لحب المؤقدان إلى مؤسى وجعدة إذ أضاءهما الوقود] وقوله تعالى (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين حكيت خصالهم الحميدة من حيث اتصافهم بها وفيه دلالة على أنهم متميزون بذلك أكمل تميز منتظمون بسببه فى سلك الأمور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم فى الفضل وهو مبتدأ وقوله عز وعلا (عَلى هُدىً) خبره وما فيه من الإبهام المفهوم من التنكير لكمال تفخيمه كأنه قيل على أى هدى هدى لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره وإيراد كلمة الاستعلاء بناء على تمثيل حالهم فى ملابستهم بالهدى بحال من يعتلى الشىء ويستولى عليه بحيث يتصرف فيه كيفما يريد أو على استعارتها لتمسكهم بالهدى استعارة تبعية متفرعة على تشبيهه باعتلاء الراكب واستوائه على مركوبه أو على جعلها قرينة للاستعارة بالكناية بين الهدى والمركوب للإيذان بقوة تمكنهم منه وكمال رسوخهم فيه وقوله تعالى (مِنْ رَبِّهِمْ) متعلق بمحذوف وقع صفة له مبينة لفخامته الاضافية إثر بيان فخامته الذاتية