(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٢٨٦)
____________________________________
إيمانهم (سَمِعْنا) أى فهمنا ما جاءنا من الحق وتيقنا بصحته (وَأَطَعْنا) ما فيه من الأوامر والنواهى وقيل سمعنا أجبنا دعوتك وأطعنا أمرك (غُفْرانَكَ رَبَّنا) أى اغفر لنا غفرانك أو نسألك غفرانك ذنوبنا المتقدمة أو ما لا يخلو عنه البشر من التقصير فى مراعاة حقوقك وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما أن تقديم الوسيلة على المسئول أدعى إلى الإجابة والقبول والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليهم للمبالغة فى التضرع والجؤار (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أى الرجوع بالموت والبعث لا إلى غيرك وهو تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة لما أن الرجوع للحساب والجزاء وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) جملة مستقلة جىء بها إثر حكاية تلقيهم لتكاليفه تعالى بحسن الطاعة إظهارا لما له تعالى عليهم فى ضمن التكليف من محاسن آثار الفضل والرحمة ابتداء لا بعد السؤال كما سيجىء. هذا وقد روى أنه لما نزل قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأتوه عليهالسلام ثم بركوا على الركب فقالوا أى رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصوم والحج والجهاد وقد أنزل إليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقرأها القوم فأنزل الله عزوجل (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) إلى قوله تعالى (غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فمسئولهم الغفران المعلق بمشيئته عزوجل فى قوله (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ثم أنزل الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) تهوينا للخطب عليهم ببيان أن المراد بما فى أنفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة لا ما يعم الخواطر التى لا يستطاع الاحتراز عنها والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه أى سنته تعالى أنه لا يكلف نفسا من النفوس إلا ما يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها دون مدى الطاقة والمجهود فضلا منه تعالى ورحمة لهذه الأمة كقوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقرىء وسعها بالفتح وهذا يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال لا على امتناعه وقوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) للترغيب فى المحافظة على مواجب التكليف والتحذير عن الإخلال بها ببيان أن تكليف كل نفس مع مقارنته لنعمة التخفيف والتيسير تتضمن مراعاته منفعة زائدة وأنها تعود إليها لا إلى غيرها ويستتبع الإخلال به مضرة تحيق بها لا بغيرها فإن اختصاص منفعة الفعل بفاعله من أقوى الدواعى إلى تحصيله واقتصار مضرته عليه من أشد الزواجر عن مباشرته أى لها ثواب ما كسبت من الخير الذى كلفت فعله لا لغيرها استقلالا أو اشتراكا ضرورة شمول كلمة ما لكل جزء من أجزاء مكسوبها وعليها لا على غيرها بأحد الطريقين المذكورين عقاب ما اكتسبت من الشر الذى كلفت تركه وإيراد