(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢٦٩)
____________________________________
على شىء من زمان أو غيره يستعمل فى الشر استعماله فى الخير قال تعالى (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى يعدكم فى الإنفاق الفقر ويقول إن عاقبة إنفاقكم أن تفتقروا وإنما عبر عن ذلك بالوعد مع أن الشيطان لم يضف مجىء الفقر إلى جهته للإيذان بمبالغته فى الإخبار بتحقق مجيئه كأنه نزله فى تقرر الوقوع منزلة أفعاله الواقعة بحسب إرادته أو لوقوعه فى مقابلة وعده تعالى على طريقة المشاكلة وقرىء بضم الفاء والسكون وبضمتين وبفتحتين (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أى بالخصلة الفحشاء أى ويغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر للمأمور على فعل المأمور به والعرب تسمى البخيل فاحشا قال طرفة بن العبد[أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى عقيلة مال الفاحش المتشدد] وقيل بالمعاصى والسيئات (وَاللهُ يَعِدُكُمْ) أى فى الإنفاق (مَغْفِرَةً) لذنوبكم والجار فى قوله تعالى (مِنْهُ) متعلق بمحذوف هو صفة لمغفرة مؤكدة لفخامتها التى أفادها تنكيرها أى مغفرة أى مغفرة مغفرة كائنة منه عزوجل (وَفَضْلاً) صفته محذوفة لدلالة المذكور عليها كما فى قوله تعالى (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) ونظائره أى وفضلا كائنا منه تعالى أى خلفا مما أنفقتم زائدا عليه فى الدنيا وفيه تكذيب للشيطان وقيل ثوابا فى الآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) قدرة وفضلا فيحقق ما وعدكم به من المغفرة وإخلاف ما تنفقونه (عَلِيمٌ) مبالغ فى العلم فيعلم إنفاقكم فلا يكاد يضيع أجركم أو يعلم ما سيكون من المغفرة والفضل فلا احتمال للخلف فى الوعد والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) قال مجاهد الحكمة هى القرآن والعلم والفقه روى عن ابن نجيح أنها الإصابة فى القول والعمل وعن إبراهيم النخعى أنها معرفة معانى الأشياء وفهمها وقيل هى معرفة حقائق الأشياء وقيل هى الإقدام على الأفعال الحسنة الصائبة وعن مقاتل أنها تفسر فى القرآن بأربعة أوجه فتارة بمواعظ القرآن وأخرى بما فيه من عجائب الأسرار ومرة بالعلم والفهم وأخرى بالنبوة ولعل الأنسب بالمقام ما ينتطم الأحكام المييتة فى تضاعيف الآيات الكريمة من أحد الوجهين الأولين ومعنى إيتائها تبيينها والتوفيق للعلم والعمل بها أى يبينها ويوفق للعلم والعمل بها (مَنْ يَشاءُ) من عباده أن يؤتيها إياه بموجب سعة فضله وإحاطة علمه كما آتاكم ما بينه فى ضمن الآى من الحكم البالغة التى يدور عليها فلك منافعكم فاغتنموها وسارعوا إلى العمل بها والموصول مفعول أول ليؤتى قدم عليه الثانى للعناية به والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) على بناء المفعول وقرىء على البناء للفاعل أى ومن يؤته الله الحكمة والإظهار فى مقام الإضمار لإظهار الاعتناء بشأنها وللإشعار بعلة الحكم (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) أى أى خير كثير فإنه قد خير له خير الدارين (وَما يَذَّكَّرُ) أى وما يتعظ بما أوتى من الحكمة أو وما يتفكر فيها (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) أى العقول الخالصة عن شوائب الوهم والركون إلى مشايعة الهوى وفيه من الترغيب فى المحافظة على الأحكام الواردة فى شأن الإنفاق ما لا يخفى والجملة إما حال أو اعتراض تذييلى