(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢٦٥)
____________________________________
أقبل عليهم بالخطاب إثر بيان ما بين بطريق الغيبة مبالغة فى إيجاب العمل بموجب النهى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) أى لا تحبطوا أجرها بواحد منهما (كَالَّذِي) فى محل النصب إما على أنه نعت لمصدر محذوف أى لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذى (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) وإما على أنه حال من فاعل لا تبطلوا أى لا تبطلوها مشابهين الذى ينفق أى الذى يبطل إنفاقه بالرياء وقيل من ضمير المصدر المقدر على ما هو رأى سيبويه وانتصاب رئاء إما على أنه علة لينفق أى لأجل رئائهم أو على أنه حال من فاعله أى ينفق ماله مرائيا والمراد به المنافق لقوله تعالى (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) حتى يرجوا ثوابا أو يخشى عقابا (فَمَثَلُهُ) الفاء لربط ما بعدها بما قبلها أى فمثل المرائى فى الإنفاق وحالته العجيبة (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) أى حجر أملس (عَلَيْهِ تُرابٌ) أى شىء يسير منه (فَأَصابَهُ وابِلٌ) أى مطر عظيم القطر (فَتَرَكَهُ صَلْداً) أملس ليس عليه شىء من الغبار أصلا (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ولا يجدون له ثوابا قطعا كقوله تعالى (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) والجملة استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا يكون حالهم حينئذ فقيل لا يقدرون الخ ومن ضرورة كون مثلهم كما ذكر كون مثل من يشههم وهم أصحاب المن والأذى كذلك والضميران الأخيران للموصول باعتبار المعنى كما فى قوله عزوجل (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) لما أن المراد به الجنس أو الجمع أو الفريق كما أن الضمائر الأربعة السابقة له باعتبار اللفظ (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) إلى الخير والرشاد والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه تعريض بأن كلا من الرياء والمن والأذى من خصائص الكفار ولابد للمؤمنين أن يجتنبوها (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أى لطلب رضاه (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أى ولتثبيت بعض أنفسهم على الإيمان فمن تبعيضية كما فى قولهم هز من عطفه وحرك من نشاطه فإن المال شقيق الروح فمن بذل ما له لوجه الله تعالى فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلها أو وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم فمن ابتدائية كما فى قوله تعالى (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ويحتمل أن يكون المعنى وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ويعضده قراءة من قرأ وتبيينا من أنفسهم وفيه تنبيه على أن حكمة الإنفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال الذى هو رأس كل خطيئة (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) الربوة بالحركات الثلاث وقد قرئت بها المكان المرتفع أى مثل نفقتهم فى الزكاء كمثل بستان كائن بمكان مرتفع مأمون من أن يصطلمه البرد للطافة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له فإن أشجار الربا تكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا وأما الأراضى المنخفضة فقلما تسلم ثمارها من البرد لكثافة هوائها بركود الرياح وقرىء كمثل حبة (أَصابَها وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَآتَتْ أُكُلَها) ثمرتها وقرىء بسكون الكاف تخفيفا (ضِعْفَيْنِ) أى مثلى ما كانت تثمر فى سائر الأوقات بسبب ما أصابها من