(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢٥٦)
____________________________________
الذى يستحقر بالنسبة إليه كل ما سواه ولما ترى من انطواء هذه الآية الكريمة على أمهات المسائل الإلهية المتعلقة بالذات العلية والصفات الجلية فإنها ناطقة بأنه تعالى موجود متفرد بالإلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته موجد لغيره لما أن القيوم هو القائم بذاته المقيم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يعتريه ما يعترى النفوس والأرواح مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد لا يشفع عنده إلا من أذن له فيه العالم وحده بجميع الأشياء جليها وخفيها كليها وجزئيها واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه أن يملك ويقدر عليه لا يشق عليه شاق ولا يشغله شأن عن شأن متعال عما تناله الأوهام عظيم لا تحدق به الأفهام تفردت بفضائل رائقة وخواص فائقة خلت عنها أخواتها قال صلىاللهعليهوسلم إن أعظم آية فى القرآن آية الكرسى من قرأها بعث الله تعالى ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة وقال عليه الصلاة والسلام ما قرئت هذه الآية فى دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها وقال صلىاللهعليهوسلم من قرأ آية الكرسى فى دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله تعالى على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله وقال عليه الصلاة والسلام سيد البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال الطور وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن سورة البقرة وسيد البقرة آية الكرسى وتخصيص سيادته صلىاللهعليهوسلم للعرب بالذكر فى أثناء تعداد السيادات الخاصة لا يدل على نفى ما دلت عليه الأخبار المستفيضة وانعقد عليه الإجماع من سيادته صلىاللهعليهوسلم لجميع أفراد البشر. (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) جملة مستأنفة جاء بها إثر بيان تفرده سبحانه وتعالى بالشئون الجليلة الموجبة للإيمان به وحده إيذانا بأن من حق العاقل أن لا يحتاج إلى التكليف والإلزام بل يختار الدين الحق من غير تردد وتلعثم وقيل هو خبر فى معنى النهى أى لا تكرهوا فى الدين فقيل منسوخ بقوله تعالى (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) وقيل خاص بأهل الكتاب حيث حصنوا أنفسهم بأداء الجزية وروى أنه كان لأنصارى من بنى سالم بن عوف ابنان قد تنصرا قبل مبعثه صلىاللهعليهوسلم ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت فخلاهما (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) استئناف تعليلى صدر بكلمة التحقيق لزيادة تقرير مضمونه كما فى قوله عزوجل (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) أى إذ قد تبين بما ذكر من نعوته تعالى التى يمتنع توهم اشتراك غيره فى شىء منهما الإيمان الذى هو الرشد الموصل إلى السعادة الأبدية من الكفر الذى هو الغى المؤدى إلى الشقاوة السرمدية (فَمَنْ يَكْفُرْ