(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٢٨)
____________________________________
(وَالْمُطَلَّقاتُ) أى ذوات الأقراء من الحرائر المدخول بهن لما قد بين أن لا عدة على غير المدخول بها وأن عدة من لا تحيض لصغر أو كبر أو حمل بالأشهر ووضع الحمل وأن عدة الأمة قرءان أو شهران (يَتَرَبَّصْنَ) خبر فى معنى الأمر مفيد للتأكيد بإشعاره بأن المأمور به مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى الإتيان به فكأنهن امتثلن بالأمر بالتربص فتخبر به موجودا متحققا وبناؤه على المبتدأ مفيد لزيادة تأكيد (بِأَنْفُسِهِنَّ) الباء للتعدية أى يقمعنها ويحملنها على ما لا تشتهيه بل يشق عليها من التربص وفيه مزيد حث لهن على ذلك لما فيه من الإنباء عن الاتصاف بما يستنكفن منه من كون نفوسهن طوامح إلى الرجال فيحملهن ذلك على الإقدام على الإتيان بما أمرن به (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) نصب على الظرفية أو المفعولية بتقدير مصاف أى يتربصن مدة ثلاثة قروء أو يتربصن مضى ثلاثة قروء وهو جمع قرء والمراد به الحيض بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم دعى الصلاة أيام أقرائك وقوله صلىاللهعليهوسلم طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان وقوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) ولأن المقصود الأصلى من العدة استبراء الرحم ومداره الحيض دون الطهر ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت وقوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) معناه مستقبلات لعدتهن وهى الحيض الثلاث وإيراد جمع الكثرة فى مقام جمع القلة بطريق الاتساع فإن إيراد كل من الجمعين مكان الآخر شائع ذائع وقرىء ثلاثة قرو بغير همز (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) من الحيض والولد استعجالا فى العدة وإبطالا لحق الرجعة وفيه دليل على قبول قولهن فى ذلك نفيا وإثباتا (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله دلالة واضحة أى فلا يجترئن على ذلك فإن قضية الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر الذى يقع فيه الجزاء والعقوبة منافية له قطعا (وَبُعُولَتُهُنَّ) البعولة جمع بعل وهو فى الأصل السيد المالك والتاء لتأنيث الجمع كما فى الحزونة والسهولة أو مصدر بتقدير مضاف أى أهل بعولتهن أى أزواجهن الذين طلقوهن طلاقا رجعيا كما ينبئ عنه التعبير عنهم بالبعولة والضمير لبعض أفراد المطلقات (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) إلى ملكهم بالرجعة إليهن (فِي ذلِكَ) أى فى زمان التربص وصيغة التفضيل لإفادة أن الرجل إذا أراد الرجعة والمرأة تأباها وجب إيثار قوله على قولها لا أن لها أيضا حقا فى الرجعة (إِنْ أَرادُوا) أى الأزواج بالرجعة (إِصْلاحاً) لما بينهم وبينهن وإحسانا إليهن ولم يريدوا مضارتهن وليس المراد به شرطية قصد الإصلاح بصحة الرجعة بل هو الحث عليه والزجر عن قصد الضرار (وَلَهُنَّ) عليهم من الحقوق (مِثْلُ الَّذِي) لهم (عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) من الحقوق التى يجب مراعاتها ويتحتم المحافظة عليها (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أى زيادة فى الحق لأن حقوقهم فى أنفسهن وحقوقهن فى المهر