الاستعلاء لما فى الشهيد من معنى الرقيب والمهيمن وقيل لتكونوا شهداء على الناس فى الدنيا فيما لا يقبل فيه الشهادة إلا من العدول الأخيار وتقديم الظرف للدلالة على اختصاص شهادته عليهالسلام بهم (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) جرد الخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم رمزا إلى أن مضمون الكلام من الأسرار الحقيقة بأن يخص معرفته به عليهالسلام وليس الموصول صفة للقبلة بل هو مفعول ثان للجعل وما قيل من أن الجعل تحويل الشىء من حالة إلى أخرى فالملتبس بالحالة الثانية هو المفعول الثانى كما فى قولك جعلت الطين خزفا فينبغى أن يكون المفعول الأول هو الموصول والثانى هو القبلة فكلام صناعى ينساق إليه الذهن بحسب النظر الجليل ولكن التأمل اللائق يهدى إلى العكس فإن المقصود إفادته ليس جعل الجهة قبلة لا غير كما يفيده ما ذكر بل هو جعل القبلة المحققة الوجود هذه الجهة دون غيرها والمراد بالموصول هى الكعبة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى إليها أولا ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفا لليهود أو هى الصخرة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما من أن قبلته عليهالسلام بمكة كانت بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه وعلى هذه الرواية لا يمكن أن يراد بالقبلة الأولى الكعبة وأما الصخرة فيتأتى إرادتها على الروايتين والمعنى على الأول وما جعلنا القبلة الجهة التى كنت عليها آثر ذى أثير وهى الكعبة وعلى الثانى وما جعلناها التى كنت عليها قبل هذا الوقت وهى الصخرة (إِلَّا لِنَعْلَمَ) استثناء مفرغ من أعم العلل أى وما جعلنا ذلك لشىء من الأشياء إلا لنمتحن الناس أى نعاملهم معاملة من يمتحنهم ونعلم حينئذ (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) فى التوجه إلى ما أمر به من الدين أو القبلة والالتفات إلى الغيبة مع إيراده عليهالسلام بعنوان الرسالة للإشعار بعلة الاتباع (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) يرتد عن دين الإسلام أو لا يتوجه إلى القبلة الجديدة أو لنعلم الآن من يتبع الرسول ممن لا يتبعه وما كان لعارض يزول بزواله وعلى الأول ما رددناك إلى ما كنت عليه إلا لنعلم الثابت على الإسلام والناكص على عقبيه لقلقه وضعف إيمانه والمراد بالعلم ما يدور عليه فلك الجزاء من العلم الحالى أى ليتعلق علمنا به موجودا بالفعل وقيل المراد علم الرسول عليهالسلام والمؤمنين وإسناده إليه سبحانه لما أنهم خواصه وليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) فوضع العلم موضع التمييز الذى هو مسبب عنه ويشهد له قراءة ليعلم على بناء المجهول من صيغة الغيبة والعلم إما بمعنى المعرفة أو متعلق بما فى من من معنى الاستفهام أو مفعوله الثانى ممن ينقلب الخ أى لنعلم من يتبع الرسول متميزا ممن ينقلب على عقبيه (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) أى شاقة ثقيلة وإن هى المخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ المبتدأ والخبر واللام هى الفارقة بينها وبين النافية كما فى قوله تعالى (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) وزعم الكوفيون أنها نافية واللام بمعنى إلا أى ما كانت إلا كبيرة والضمير الذى هو اسم كان راجع إلى ما دل عليه قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) من الجعلة أو التولية أو التحويلة أو الردة أو القبلة وقرىء لكبيرة بالرفع على أن كان مزيدة كما فى قوله [وإخوان لنا كانوا كرام] وأصله وإن هى لكثيرة كقوله إن زيد لمنطلق (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أى إلى سر الأحكام الشرعية المبنية على الحكم والمصالح إجمالا وتفصيلا وهم المهديون إلى الصراط المستقيم الثابتون على الإيمان واتباع الرسول عليهالسلام (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أى ما صح وما استقام له