(أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(١٠١)
____________________________________
ليس على تلك الصفة من الكفرة لا يجترىء على الكفر بمثل هاتيك البينات قال الحسن إذا استعمل الفسق فى نوع من المعاصى وقع على أعظم أفراد ذلك النوع من كفر أو غيره وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال قال ابن صوريا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ما جئتنا بشىء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك لها فنزلت واللام للعهد أى الفاسقون المعهودون وهم أهل الكتاب المحرفون لكتابهم الخارجون عن دينهم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أكفروا بها وهى فى غاية الوضوح وكلما عاهدوا عهدا ومن جملة ذلك ما أشير إليه فى قوله تعالى (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) من قولهم للمشركين قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وقرىء بسكون الواو على أن تقدير النظم الكريم وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهودهم مرارا كثيرة وقرىء عوهدوا وعهدوا وقوله تعالى (عَهْداً) إما مصدر مؤكد لعاهدوا من غير لفظه أو مفعول له على أنه بمعنى أعطوا العهد (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أى راموا بالزمام ورفضوه وقرىء نقضه وإسناد النبذ إلى فريق منهم لأن منهم من لم ينبذه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أى بالتوراة وهذا دفع لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون وأن من لم ينبذ جهارا فهم يؤمنون بها سرا (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ) هو النبى صلىاللهعليهوسلم والتنكير للتفخيم (مِنْ عِنْدِ اللهِ) متعلق بجاء أو بمحذوف وقع صفة لرسول لإفادة مزيد تعظيمه بتأكيد ما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) من التوراة من حيث أنه صلىاللهعليهوسلم قرر صحتها وحقق حقية نبوة موسى عليه الصلاة والسلام بما أنزل عليه أو من حيث أنه عليهالسلام جاء على وفق ما نعت فيها (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أى التوراة وهم اليهود الذين كانوا فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم ممن كانوا يستفتحون به قبل ذلك لا الذين كانوا فى عهد سليمان عليهالسلام كما قيل لأن النبذ عند مجىء النبى صلىاللهعليهوسلم لا يتصور منهم وإفراد هذا النبذ بالذكر مع اندراجه تحت قوله عزوجل (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لأنه معظم جناياتهم ولأنه تمهيد لذكر اتباعهم لما تتلو الشياطين وإيثارهم له عليه والمراد بإيتائها إما إيتاء علمها بالدراسة والحفظ والوقوف على ما فيها فالموصول عبارة عن علمائهم وإما مجرد إنزالها عليهم فهو عبارة عن الكل وعلى التقديرين فوضعه موضع الضمير للإيذان بكمال التنافى بين ما أثبت لهم فى حيز الصلة وبين ما صدر عنهم من النبذ (كِتابَ اللهِ) أى الذى أوتوه قال السدى لما جاءهم محمد صلىاللهعليهوسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والفرقان فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وما روت فلم يوافق القرآن فهذا قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) الخ وإنما عبر عنها بكتاب الله تشريفا لها وتعظيما لحقها عليهم وتهويلا لما اجتروءا عليه من الكفر