(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(٥٤)
____________________________________
(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) أى التوراة الجامعة بين كونها كتابا وحجة تفرق بين الحق والباطل وقيل أريد بالفرقان معجزاته الفارقة بين المحق والمبطل فى الدعوى أو بين الكفر والإيمان وقيل الشرع الفارق بين الحلال والحرام أو النصر الذى فرق بينه وبين عدوه كقوله تعالى (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يريد به يوم بدر. (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لكى تهتدوا بالتدبر فيه والعمل بما يحويه (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) بيان لكيفية وقوع العفو المذكور. (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) أى معبودا. (فَتُوبُوا) أى فاعزموا على التوبة. (إِلى بارِئِكُمْ) أى إلى من خلقكم بريئا من العيوب والنقصان والتفاوت وميز بعضكم من بعض بصور وهيئات مختلفة وأصل التركيب الخلوص عن الغير إما بطريق التفصى كما فى برىء المريض أو بطريق الإنشاء كما فى برأ الله آدم من الطين والتعرض لعنوان البارئية للإشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها ومن الغواية منتهاها حيت تركوا عبادة العليم الحكيم الذى خلقهم بلطيف حكمته بريئا من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر الذى هو مثل فى الغباوة وأن من لم يعرف حقوق منعمه حقيق بأن تستردهى منه ولذلك أمروا بالقتل وفك التركيب. (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) تماما لتوبتكم بالبخع أو بقطع الشهوات وقيل أمروا أن يقتل بعضهم بعضا وقيل أمر من لم يعبد العجل بقتل من عبده. يروى أن الرجل كان يرى قريبه فلم يقدر على المضى لأمر الله تعالى فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون بها فأخذوا يقتلون من الغداة إلى العشى حتى دعا موسى وهارون عليهماالسلام فكشفت السحابة ونزلت التوبة وكانت القتلى سبعين ألفا والفاء الأولى للتسبيب والثانية للتعقيب (ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من التوب والقتل. (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) لما أنه طهرة عن الشرك ووصلة إلى الحياة الأبدية والبهجة السرمدية. (فَتابَ عَلَيْكُمْ) عطف على محذوف على أنه خطاب منه سبحانه على نهج الالتفات من التكلم الذى يقتضيه سباق النظم الكريم وسياقه فإن مبنى الجميع على التكلم إلى الغيبة ليكون ذريعة إلى إسناد الفعل إلى ضمير بارئكم المستتبع للإيذان بعلية عنوان البارئية والخلق والإحياء لقبول التوبة التى هى عبارة عن العفو عن القتل تقديره فعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم بارئكم وإنما لم يقل فتاب عليهم على أن الضمير للقوم لما أن ذلك نعمة أريد التذكير بها للمخاطبين لا لأسلافهم. هذا وقد جوز أن يكون فتاب عليكم متعلقا بمحذوف على أنه من كلام موسى عليهالسلام لقومه تقديره إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم ولا يخفى أنه بمعزل من اللياقة بجلالة شأن التنزيل كيف لا وهو حينئذ حكاية لوعد موسى عليهالسلام قومه بقبول التوبة منه تعالى لا لقبوله تعالى حتما وقد عرفت أن الآية الكريمة تفصيل لكيفية القبول المحكى فيما قبل وأن المراد تذكير المخاطبين بتلك النعمة. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) تعليل