يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيانون) وانهم على دين ملوكهم يرسمون لهم الحق باطلا والباطل حقا وهم على ذلك من الشاهدين. وقد لمست أن بالقوة والسلطان تضييع المقاييس ، فكم من جائر ماكر البسته العامة لسلطانه حلل العظماء والمتقين؟ وكم من سفير حق صادق انزله الدهر منازل المتهمين واجلسه مجالس الخائفين؟
فلمّا حكت لي حوادث الأيام طرفا من حقايق الأمور وكنت في هذا الحال قد أبصرت حدثا عظيما يطل على مسيرة الأمم رغم تاريخها الطويل وهو خروج الحسين عليهالسلام ببنيه وأخوته وبني أخيه وجل أهل بيته داعيا للصلاح وسنن النبيين التي اندرست بواسطة الولاة الجائرين باسم سيد المرسلين صلىاللهعليهوآله ، أوقفت عند ذلك مطيتي تاركا السير انظر ما بين الحرمين مكة والكوفة أتفرس ما ذا أصبح يرسم القدر فشاهدت جند الحق والسلام كيف راحوا يرسمون سبل النبيين بافعالهم قبل الأقوال ، يتقدمون ميادين الوغى ليكونوا أسوة نميز بهم الصادقين عن الكاذبين الذين عاشوا الترف والقصور وهم يلقون بأبناء الآخرين الى محارق الموت على عبر التأريخ.
فنظرت إليه عليهالسلام فإذا به يخرج من حرم الله تعالى قائلا : (لأن أقتل والله بمكان كذا أحب إليّ من أن استحل بمكة) وفي موضع آخر راح يقول : (إن أبي حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش) كل ذلك حفاظا لحرمة وكرامة البيت الحرام وان كان هو المثال الأعظم لرسم حقايق الشرع حتى لا يتعرّض أحد بعده لهتك حرم الله تعالى.
فرحت انظر حتى إذا ما أراد الخروج من مكة ناداه أصحاب عمرو بن سعيد ـ والي مكة ـ : يا حسين ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق هذه الأمة؟!