لو لا حدثان [عهد] (١) قومك بالكفر لهدمت البيت ورددته على قواعد إبراهيم.
ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع ، وعند رفع الرأس منه ، وهذا مذهب مالك والشافعى ، وتفعله الشيعة ، فحضر عندي يوما بمحرس ابن الشواء بالثغر ـ موضع تدريسى ـ عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف الأول وأنا في مؤخّره قاعد على طاقات البحر ، أتنسّم الريح من شدة الحر ، ومعه (٢) في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده ، مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب تحت الميناء (٣) ، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا المشرقىّ كيف دخل مسجدنا؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به في البحر ، فلا يراكم أحد. فطار قلبي من بين جوانحي ، وقلت : سبحان الله! هذا الطرطوسي فقيه الوقت. فقالوا لي : ولم يرفع يديه؟ فقلت : كذلك كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يفعل ، وهو مذهب مالك في رواية أهل المدينة عنه. وجعلت أسكنهم وأسكتهم ، حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من المحرس ، ورأى تغيّر وجهى ، فأنكره ، وسألنى فأعلمته فضحك ، وقال : ومن أين لي أن أقتل على سنّة! فقلت له : ولا يحلّ لك هذا فإنك بين قوم (٤) إن قمت بها قاموا عليك ، وربما ذهب دمك. فقال : دع هذا الكلام وخذ في غيره.
وفي الحديث الصحيح ، عن أبى رافع ، قال : صليت خلف أبى هريرة صلاة العشاء ـ يعنى العتمة ـ فقرأ (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) فسجد فيها ، فلما فرغ قلت : يا أبا هريرة ، وإنّ هذه السجدة ما كنّا نسجدها. قال : سجدها أبو القاسم صلّى الله عليه وسلم ، وأنا خلفه ، فلا أزال أسجدها حتى ألقى أبا القاسم (٥). وكان عمر بن عبد العزيز يسجد فيها مرة ، ومرة لا يسجد ، كأنه لا يراها من العزائم [عزائم القرآن] (٦). وقد بينا الصحيح في ذلك. والله أعلم [بغيبه وأحكم] (٧).
__________________
(١) ليس في ش.
(٢) في ا : ومعنا.
(٣) في ش : المنار.
(٤) في ش : أقوام.
(٥) في ش : حتى ألقاه.
(٦) ساقط من ش.