المسألة الثانية ـ النذر مكروه بالجملة (١) ، ثبت في الصحيح ، عن مالك ، عن أبى الزناد ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن أبى هريرة أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : لا يأتى النذر على ابن آدم بشيء لم أكن قدّرته له ، إنما يستخرج به من البخيل. وذلك لفقه صحيح ، وهو أنّ الباري سبحانه وعد بالرزق على العمل ، ومنه مفروض ، ومنه مندوب ، فإذا عين (٢) العبد ليستدرّ به الرزق ، أو يستجلب به الخير ، أو يستدفع به الشر لم يصل إليه به ، فإن وصل فهو لبخله. والله أعلم.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٣) : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ) تنبيه على المواساة ، ومن أفضل المواساة وضعها في هذه الأصناف الثلاثة. وفي الصحيح ، عن عبد الله بن عمر : سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أىّ الإسلام خير؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ، وهذا في الفضل لا في الفرض من الزكاة على ما تقدم بيانه.
المسألة الثانية ـ قوله : (عَلى حُبِّهِ) وقد بيناه في سورة البقرة.
المسألة الثالثة ـ قوله : (مِسْكِيناً). المسكين قد تقدم بيانه ، وهذا مثاله ما روى في شأن الأنصارى الذي ذكرنا قصّته في سورة الحشر ، عند تأويل قوله (٤) : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ). فهذا هو ذلك.
المسألة الرابعة ـ قوله : (وَيَتِيماً). وإنما أكّد باليتيم ، لأنه مسكين مضعوف بالوحدة وعدم الكافل مع عجز الصغر.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَأَسِيراً). وفي إطعامه ثواب عظيم ، وإن كان كافرا فإن الله يرزقه. وقد تعيّن بالعهد إطعامه ، ولكن من الفضل في الصدقة ، لا من الأصل في الزكاة ، ويدخل فيه المسجون من المسلمين ، فإن الحق قد حبسه عن التصرف وأسره فيما وجب عليه ، فقد صار له على الفقير المطلق حقّ زائد بما هو عليه من المنع [عن التمحل في] (٥) المعاش أو التصرف في الطلب ، وهذا كلّه إذا خلصت فيه النية لله ، وهي :
__________________
(١) في ش : في الجملة.
(٢) في ش : غيره.
(٣) آية ٩.
(٤) ليس في ش.