فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما ـ أن الدم علامة على براءة الرحم من حيث الظاهر لا من حيث القطع ، فجاز أن يجتمعا ، بخلاف وضع الحمل ، فإنه براءة للرحم قطعا ، فلا يجوز أن يجتمع مع الشغل.
الثاني ـ أنّ قوله في تفسير ما تغيض الأرحام في غير حال الحمل وما تزداد بعد غيضها حتى يجتمع في الرحم. فإنا نقول : إن الآية عامة في كل غيض وازدياد وسيلان وتوقف ، وإذا سال الدم على عادته بصفته ما الذي يمنع من حكمه؟ ولا جواب لهم عن هذا.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ إذا وجد الفعل في الآدمي مع خلق الإرادة فيه كان طوعا ، وإذا وجد الفعل مع عدم الإرادة كان كرها ، ويأتى تحقيق القول فيه في سورة النحل إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية ـ اختلف الناس في تفسيرها على أقوال ، جمهورها أربعة :
الأول ـ المؤمن يسجد طوعا ، والكافر يسجد خوف السيف ، فالأول أبو بكر الصديق آمن طوعا من غير لعثمة.
والثاني ـ الكافر يسجد لله ، إذا أصابه الضر يسجد لله كرها ، وذلك قوله (٢) : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) ، يريد عنه وعبدتم غيره.
الثالث ـ قال الصوفية : المخلص يسجد لله محبة ، وغيره يسجد لابتغاء عوض (٣) ، أو لكشف محنة ، فهو الذي يسجد كرها.
الرابع ـ الخلق كلّهم ساجد ، إلا أنه من سجد بقلبه فهو طوع ، ومن سجد بحاله فهو كره ، إذ الأحوال تدلّ على الوحدانية من غير اختيار ذي الحال.
قال القاضي أبو بكر : أمّا من سجد لدفع شرّ فذلك بأمر الله ، هو الذي أمرنا بالطاعة ،
__________________
(١) آية ١٥.
(٢) سورة الإسراء : ٦٧.
(٣) في م : عرض.