وكان لها يعمل ، وإياها يطلب ، واعتقد نفسه بمنزلة المسافر إلى مقصد ، فهو في طريقه يعبر ، وعلى مسافته يرتحل ؛ وقلب الأول معمور بذكر الدنيا ، مغمور بحبها ، وقلب الثاني مغمور (١) بذكر الله ، معمور بحبه ، وجوارحه مستعملة بطاعته ، فقيل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : إن كنتنّ تردن الله ورسوله ، وتقصدن الدار الآخرة وثوابه فيها ، فقد أعدّ الله ثوابكنّ وثواب أمثالكن في أصل القصد لا في مقداره وكيفيته.
وهذا يدلّ على أنّ العبد يعمل محبة في الله ورسوله لذاتيهما ، وفي الدار الآخرة لما فيها من منفعة الثواب.
قال قوم : لا يتصوّر أن يحبّ الله لذاته ولا رسوله لذاته ، وإنما المحبوب الثواب منهما ، العائد عليه ، وقد بينا ذلك في كتب الأصول ، وحققنا أنّ العبد إنما يحبّ نفسه ، وأن الله ورسوله لغنيّان عن العالمين في ذلك الغرض (٢) المسطور فيها.
المسألة السابعة عشرة ـ قوله : (لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَ).
الإحسان في الفعل يكون بوجهين :
أحدهما ـ الإتيان به على أكمل الوجوه.
والثاني ـ التّمادى عليه من غير رجوع ، فكأنه قال : قل لهنّ من جاء بهذا الفعل المطلوب منكن كما أمر به ، وتمادى عليه إلى حالة الاخترام بالمنية ، فعندنا له أفضل الجلالة(٣) والإكرام.
وذلك بيّن في قوله (٤) : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ...) إلى آخر المعنى. فهذا هو المطلوب ، وهو الإحسان.
المسألة الثامنة عشرة ـ قوله : (أَجْراً عَظِيماً).
المعنى أعطاهنّ الله بذلك ثوابا متكاثر الكيفيّة والكمية في الدنيا والآخرة ، وذلك بيّن في قوله : (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) ، وزيادة رزق كريم معدّ لهن.
__________________
(١) في م : معمور.
(٢) في ا : العرض.
(٣) في م : أفضل حالة.
(٤) آية ٣١.