خرّجه الأئمة وروى ، فلم يكن شيئا ، فلما وجدوا لفظ «خير» في حديث عائشة ، وقولها : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه بدأ بي ، فقال : إنى ذاكر لك أمرا : إنّ الله تعالى قال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ ...) الآية. وليس في هذا تخيير بطلاق كما زعموا ، وإنما يرجع الأول إلى أحد وجهين : التخيير بين الدنيا ، فيوقع الطلاق ، وبين الآخرة فيكون الإمساك ، ولهذا يرجع قولهم إلى آية التخيير ، وقولها ، خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، أو أمر بتخيير نسائه ، فإنما يعود ذلك كلّه إلى هذا التفسير من التخيير.
والذي يدل عليه أنه قد سمى ـ كما تقدم ـ آية التخيير : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ).
وليس للتخيير فيها ذكر لفظىّ ، ولكن لما كان فيها معنى التخيير نسبها إلى المعنى.
الثاني ـ أنّ ابن عبد الحكم قد قال : إنّ معنى خيّرهن قرأ عليهنّ آية التخيير ، وقوله: إنه لا يجوز أن يخيرهنّ بلفظ التخيير صحيح.
والدليل عليه نصّ الآية ، فإن التخيير فيها إنما وقع بين الآخرة ، فيكون التمسك ، وبين (١) الدنيا ، فيكون الفراق ، وهو ظاهر من نصّ الآية ، وليس يدل عليه ما قال من أنّ التخيير ثلاث ، والله أمره بأن يطلّق النساء لعدّتهن ، فإن كون قبول الخيار ثلاثا إنما هو مذهبه ، ولا يصحّ لأحد أن يستدلّ على حكم بمذهب بقول (٢) يخالف فيه ، فإن أبا حنيفة وأحمد يقولان : إنها واحدة في تفصيل ، وقوله : إن الله قال : (سَراحاً جَمِيلاً) والثلاث مما لا يجمل خطأ ، بل هي مما يجمل ويحسن ، قال الله تعالى (٣) : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، فسمّى الثلاث تسريحا بإحسان.
فإن قيل : إنما توصف بالإحسان إذا فرّقت ، فأما إذا وقعت جملة فلا.
قلنا : لا فرق بينهما ، فإنّ الثلاث فرقة انقطاع ، كما أن التخيير عندك فرقة انقطاع. وإنما المعنى السراح الجميل ، والسراح الحسن فرقة من غير ضرر ، كانت واحدة أو ثلاثا ، وليس في شيء مما ظنّه هذا العالم.
__________________
(١) في م : أو.
(٢) في ا : بقوله.
(٣) سورة البقرة ، آية ٢٢٩.