وقد روى : الرؤيا
لأول عابر. وقد قالوا أضغاث أحلام ، ولم يكن من صحيح الكلام ، ولا قطع تفسير
الرؤيا إذ لم يأتيها من بابها. ألا ترى أنّ الصديق لما أخطأ في تفسير الرؤيا لم
يكن ذلك حكما عليها ، وإنما ذلك إذا احتملت وجوها من التفسير ، فعيّن بتأويله
أحدها جاز ، ومن تكلم بجهل لا يكون حكما عليها ، وإن أصاب. والحديث الصحيح :
الرؤيا على رجل
طائر ما لم تتحدث بها ، فإذا تحدثت بها سقطت ، ولا تحدّث بها إلا حبيبا أو لبيبا. وهذا
معنى الرؤيا لأوّل عابر ، فإنّه إذا تحدث بها ففسرت نقذ حكمها إذا كان بحق عن علم
، لا كما قال أصحاب الملك ، وأيضا فإنهم لم يقصدوا تفسيرا ، وإنما أرادوا أن يمحوها عن صدر الملك
حتى لا تشغل له بالا.
المسألة الثالثة ـ
قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ
يَعْلَمُونَ).
يحتمل أن يكون
يعلمون بمكانك ، فيظهر عندهم فضلك حتى يكون سبب خلاصك ، فعلى هذا يكون العلم على
بابه ، ويحتمل أن يكون معناه لعلهم يعلمون تأويل الرؤيا ، ويسمّى علما ، وإن كان
ظنا ، لأنّ الأصل كل ظنّ شرعي يرجع إلى العلم بالدليل القطعي الذي أسند إليه ، وقد
بيّنّاه في أصول الفقه.
المسألة الرابعة ـ
قوله تعالى : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ عامٌ).
وهذا عام لم يقع
السؤال عنه ، فقيل : إن الله زاده علما على ما سألوه عنه إظهارا لفضله وإعلاما
بمكانه من العلم ، ومعرفته. وقيل : أدرك ذلك بدقائق من تأويل الرؤيا لا ترتقى
إليها درجتنا. وهذا صحيح محتمل ، والأول أظهر.
المسألة الخامسة ـ
قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ ، فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ).
ثبت في الصحيح أنّ
النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : يرحم
الله لوطا ، لقد كان يأوى إلى ركن شديد. ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي. وفي رواية الطبري : يرحم
الله يوسف ، لو كنت أنا المحبوس ، ثم أرسل إلىّ لخرجت سريعا ، إن كان لحليما ذا
أناة.
__________________