ويحتمل أن يكون قبل تبيان الحال للتحية بالسلام ، واختصاصها بالمسلمين ، وخروج الكفار عنها ، حسبما بينّاه من قبل.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (١) : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في معنى النّصيب :
وفيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ لا تنس حظّك من الدنيا ، أى لا تغفل أن تعمل في الدنيا للآخرة ، كما قال ابن عمر : احرث (٢) لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
الثاني ـ أمسك ما يبلغك ، فذلك حظّ الدنيا. وأنفق الفضل ، فذلك حظّ الآخرة.
الثالث ـ لا تغفل شكر ما أنعم الله عليك.
المسألة الثانية ـ (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ).
ذكر فيه أقوال كثيرة ، جماعها استعمل نعم الله في طاعته.
وقال مالك : معناها تعيش وتأكل وتشرب غير مضيّق عليك في رأى.
قال القاضي : أرى مالكا أراد الردّ على من يرى من الغالين في العبادة التقشّف والتقصف (٣) والبأساء ، فإن النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يأكل الحلوى ، ويشرب العسل ، ويستعمل الشواء ، ويشرب الماء البارد ، ولهذا قال الحسن : أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه ، ويقدم ما سوى ذلك لآخرته. وأبدع ما فيه عندي قول قتادة : ولا تنس الحلال ، فهو نصيبك من الدنيا ، ويا ما أحسن هذا!
__________________
(١) آية ٧٧.
(٢) في ا : احرص.
(٣) التقصف : الانكسار.