في اليقظة والمنام ، وأقبل يبيّن لهما حال الإيمان والتوحيد وما هو (١) عليه من الحق ، وما كان عليه آباؤه من قبله كذلك ، ونصب لهما الأدلّة ، ثم عطف على تأويل ما رأيا ، فلما أخبرهما بالتأويل ندما على ما فعلا ، وقالا : كذبنا ، فقال لهما يوسف : قضى الأمر الذي فيه تستفتيان.
فإن قيل : ومن كذب في رؤيا ففسرها العابر له ، أيلزمه حكمها؟ وهي :
المسألة الثانية ـ قلنا : لا يلزمه ، وإنما كان كذلك (٢) في يوسف لأنه نبىّ. وقد قال : إنه يكون كذا ويقع (٣) كذا ، فأوجد الله ما أخبر كما قال ، تحقيقا لنبوته.
فإن قيل : إنما مخرج كلام يوسف في أنه يكون كذا إن كانا رأياه.
قلنا : ذلك جائز ، ولكن الفتيان أرادا اختباره بذلك (٤) ، فحقق الله قوله [آية] (٥) ، وقابل الهزل بالجد ، كما قال الله [تعالى : «الله] (٦) يستهزئ بهم» ... الآية.
فإن قيل : فقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ، فقال له : إنى رأيت كأنى أعشبت ، ثم أجدبت ، ثم أعشبت ، ثم أجدبت. فقال له عمر : أنت رجل تؤمن ، ثم تكفر ، ثم تؤمن ، ثم تكفر ، ثم تموت كافرا. فقال له الرجل : ما رأيت شيئا. فقال عمر : قد قضى لك ما قضى لصاحب يوسف.
قلنا : ليست لأحد بعد عمر ، لأنّ عمر كان محدّثا ، وكان إذا ظنّ ظنا كان ، وإذا تكلم به وقع على ما ورد في أخباره ، وهي كثيرة ، منها : أنه دخل عليه رجل فقال له : أظنك كاهنا ، فكان كما ظن ـ خرّجه البخاري.
ومنها : أنه سأل رجلا عن اسمه ، فقال له أسماء فيها النار كلها ، فقال له : أدرك أهلك فقد احترقوا ، فكان كما قال. والله أعلم.
المسألة الثالثة ـ هاهنا نكتة بديعة :
وهي أنّ يوسف وإن كان قال لهما : قضى الأمر الذي فيه تستفتيان ـ فقد قال الله عنه (٧) :
__________________
(١) في م : وما كان عليه.
(٢) في م : ذلك.
(٣) في ا : ويفعل.
(٤) في م : بكذبه.
(٥) ليس في م.
(٦) من م.
(٧) سورة يوسف ، آية ٤٢.