المسألة الثالثة ـ قوله : (وَأَنْكِحُوا). لفظه لصيغة الأمر ، واختلف في وجوبه أو ندبه أو إباحته على ثلاثة أقوال :
وقال علماؤنا : يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المرء (١) من خوفه العنت ، وعدم صبره ، ومن قوته على الصّبر ، وزوال خشية العنت عنه.
وإذا خاف الهلاك في الدّين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حتم.
وإن لم يخش شيئا وكانت الحال مطلقة ، فقال الشافعى : النكاح مباح. وقال أبو حنيفة ومالك : هو مستحبّ.
وتعلّق الشافعىّ بأنه قضاء لذّة ، فكان مباحا كالأكل والشرب.
وتعلق علماؤنا في ذلك بأحاديث كثيرة ، ولا فائدة في التعلق بغير الصحيح. وفي ذلك حديثان صحيحان :
الأول ـ قال أنس بن مالك : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروها كأنهم تقالّوها (٢) ، فقالوا : وأين نحن من النبىّ صلى الله عليه وسلم ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم : أما أنا فأصلّى الليل أبدا. وقال الآخر : أنا أصوم الدهر ، ولا أفطر. وقال الآخر : أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوّج النساء ، من يرغب عن سنّتى فليس منى.
الثاني ـ قال عروة : سألت عائشة عن قوله (٣) : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ـ إلى قوله ـ (أَلَّا تَعُولُوا). قالت : يا ابن أختى ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في مالها وجمالها ، يريد أن يتزوّجها بأدنى من سنة صداقها ، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ فيكملوا الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهنّ من النساء.
__________________
(١) في القرطبي : باختلاف حال المؤمن.
(٢) تقالوها : استقلوها (النهاية).
(٣) سورة النساء ، آية ٣.