الحقيقي في اليقظة ، وإذا أخبر عمّا رأى صدق ، فكذلك إذا أخبر عما رأى (١) في المنام تأول.
الثالث ـ أن خبره يقبل في كثير من الأحكام ، منها الاستئذان فكذلك في الرؤيا.
المسألة الثالثة ـ قوله : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) حكم بالعادة من الحسادة (٢) بين الإخوة والقرابة كما تقدّم بيانه ، والحكم بالعادة أصل يأتى بيانه إن شاء الله بعد. وقيل : إنّ يعقوب قد كان فهم من إخوة يوسف حسدا له بما رأوا من شغف أبيه به ، فلذلك حذّره.
المسألة الثالثة ـ قال علماؤنا : هذا يدلّ على معرفة يعقوب بتأويل الرؤيا ، لأنّ نهيه لابنه عن ذكرها ، وخوفه على إخوته من الكيد له من أجلها علم بأنها تقتضي ظهوره عليهم وتقدمه فيهم ، ولم يبال بذلك يعقوب ، فإن الرجل يود أن يكون ولده خيرا منه ، والأخ لا يودّ ذلك لأخيه.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٣) : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قال علماؤنا : هذا يدلّ على أن بكاء المرء لا يدلّ على صدق مقاله ، لاحتمال أن يكون تصنّعا ، ومن الخلق من يقدر على ذلك ، ومنهم من لا يقدر. وقد قيل : إنّ الدمع المصنوع لا يخفى ، كما قال حكيم :
إذا اشتبكت (٤) دموع في خدود |
|
تبيّن من بكى ممن تباكى |
والأصحّ عندي أن الأمر مشتبه ، وأن من الخلق في الأكثر من يقدر من التطبع على ما يشبه الطبع.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ).
اعلموا وفقكم الله أنّ المسابقة شرعة (٥) في الشريعة ، وخصلة بديعة ، وعون على الحرب ، وقد فعله النبىّ صلى الله عليه وسلم بنفسه وبخيله ، فروى أنه سابق عائشة فسبقها ،
__________________
(١) في م : يرى.
(٢) الحسادة : مصدر كالحسد.
(٣) آية ١٦ ، ١٧.
(٤) في م : اشتبهت.
(٥) في م هنا بالهامش : «مسائل المسابقة».