وعند معتزلة البصرة وبغداد أنّ مشيئة الله لإعطاء هذا الحالف ما عليه من الحقّ أمره ، وقد علم حصول أمره بذلك ، فيجب أن يكون استثناء الحالف بمشيئة الله في ذلك المعلوم حصوله بمنزلة استثناء الحالف بكلّ معلوم حصوله ، وكما لو قال : والله لأعطينّك حقّك إن أمرنى الله غدا بذلك. ولا فرق بينهما ، بيد أن أهل البصرة قالوا : إنّ الله أراد إعطاء حقّ هذا إرادة متقدمة للأمر به ، وبذلك صار الأمر أمرا ، وهي متجددة في كل وقت ، والحالف كاذب على كلّ قول من أقوالهم ، حانث.
وقد زعم البغداديّون أنّ مشيئة الله هي تقيّة العبد إلى غد وتأخيره له ، ورفع العوائق عنه. ولو كان صحيحا لوجب إذا أصبح الحالف حيّا باقيا سالما من العوائق أن يكون كاذبا حانثا إذا لم يعطه حقّه. وقد قالوا : إنما لم يلزمه الحنث إذا قال : إن شاء الله ، رخصة من الشرع.
قلنا : حكم الشّرع بسقوط الحرج والحنث عنه إذا قال : إن شاء الله ، وبقائه عليه إذا قال : إن أبقانى الله ـ دليل على أنّ الفرق بينهما بيّن معنى ، كما هو بيّن لفظا ، إذ لو كان معنى واحدا لما اختلف الحكم.
ومنهم من قال : إن معناه إلا أن يشاء الله إلجائى إليه ، وهذا فاسد ، فإنّ الله لو ألجأه إليه لم يتصوّر التكليف فيه بالإلزام ، لأنّ الإكراه على فعل الشيء مع الأمر به عندهم محال ، فلا وجه لقولهم بحال. وقد بسطناه في كتب الأصول بأعمّ من هذا التفصيل.
الآية الرابعة ـ قوله (١) : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قال مالك : الكهف من ناحية الروم. وروى سفيان ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم ، فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذي ذكر الله في القرآن ، وذكر الحديث بطوله.
__________________
(١) آية ٢٥.