والتأنيث باعتبار الجماعة والتذكير باعتبار الجمع أكثر في القرآن واللغة من رمل يبرين ومها (١) فلسطين.
المسألة الثانية ـ نبّه الله على عظيم القدرة بخروج اللبن خالصا من بين الفرث والدم بين حمرة الدم وقذارة الفرث ، وقد جمعهما وعاء واحد ، وجرى الكل في سبيل متحدة ، فإذا نظرت إلى لونه وجدته أبيض ناصعا خالصا من شائبة الجار ، وإذا شربته وجدته سائغا عن بشاعة الفرث ، يريد لذيذا ، وبعضهم قال سائغا ، أى لا يغصّ به ، وإنه لصفته ، ولكن التنبيه إنما وقع على اللذة وطيب المطعم ، مع كراهية الجار الذي انفصل عنه في الكرش ، وهو الفرث القذر.
وهذه قدرة لا تنبغي إلا للقائم على كل شيء بالمصلحة.
المسألة الثالثة ـ قال بعض المتصورين بصورة المصنفين المتسورين في علوم الدين : إنّ هذه الآية تدلّ على بطلان قول من يقول : إن المنىّ نجس ، لأنه خارج من (٢) المخرج الذي يخرج منه البول ، وهذا الله يقول في اللبن : يخرج (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) ، فكما يخرج اللبن من بين الفرث والدم سائغا خالصا طاهرا ، فكذلك يجوز أن يخرج المنىّ على مخرج البول طاهرا.
قال القاضي : قد بيّنا في كتاب أصول الفقه صفة المجتهد المفتي في الأحكام المستنبط لها من الوحى المنزّل ، ولو كانت تلك الصفات موجودة في هذا القائل ما نطق بمثل هذا ، فإنّ اللبن جاء الخبر عنه مجيء النعمة والمنّة الصادرة عن القدرة ، ليكون عبرة ، فاقتضى ذلك كلّه له وصف الخلوص واللذة والطهرة ، وأين المنىّ من هذه الحالة حتى يكون ملحقا به أو مقيسا عليه ، إن هذا لجهل عظيم.
الآية الثامنة ـ قوله تعالى (٣) : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
فيها ست مسائل :
__________________
(١) في القرطبي : وتيهاء.
(٢) في ا : على.
(٣) آية ٦٧.