غنمه وبما صار إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا ويح ثعلبة ـ ثلاث مرات ، فنزلت(١) : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها). ونزلت فرائض الصدقة ، فبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة : رجل من جهينة ، وآخر من بنى سليم ، وأمرهما أن يمرّا بثعلبة وبرجل آخر من بنى سليم ، يأخذان منهما صدقاتهما ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدرى ما هذا؟ انطلقا حتى تفرغا وعودا.
وسمع بهما السلمى ، فعمد إلى خيار إبله ، فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهما بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ منك هذا. قال : بل فخذوه ، فإنّ نفسي بذلك طيبة ، فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرّا بثعلبة ، فقال : أرونى كتابكما ـ وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب لهما كتابا في حدود الصدقة ، وما يأخذان من الناس ـ فأعطياه الكتاب ، فنظر إليه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، فانطلقا عنّى حتى أرى رأيى.
فأتيا النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة ـ قبل أن يكلّمهما ، ودعا للسلمى بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السّلمى ؛ فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ...) الآية ؛ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة! قد أنزل الله فيك كذا وكذا ، فخرج حتى أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فسأل أن يقبل صدقته منه ، فقال: إنّ الله منعني أن أقبل منك صدقتك ، فقام يحثو التراب على رأسه ؛ فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم : قد أمرتك فلم تطعني ، فرجع ثعلبة إلى منزله ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبض منه شيئا ، ثم أتى إلى أبى بكر فلم يقبض منه شيئا ، ثم إلى عمر بعد أبى بكر ، فلم يقبض منه شيئا ، ثم أتى إلى عثمان بعد عمر فلم يقبض منه شيئا ، وتوفى في خلافة عثمان رضى الله عنه. وهذا الحديث مشهور (٢).
__________________
(١) سورة التوبة ، آية ١٠٣.
(٢) في القرطبي (٨ ـ ٢١٠) : قلت : وثعلبة بدري أنصارى وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان حسب ما يأتى بيانه ، فما روى عنه غير صحيح. قال أبو عمر : ولعل قول من قال في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح. والله أعلم.