على الأعيان بغلبة العدوّ على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ؛ فيجب على كافة الخلق الجهاد والخروج إليه ؛ فإن قصّروا عصوا.
ولقد نزل بنا العدوّ ـ قصمه الله ـ سنة سبع وعشرين وخمسمائة ؛ فجاس ديارنا ، وأسر جيرتنا (١) ، وتوسّط بلادنا في عدد هال (٢) الناس عدده ، وكان كثيرا ، وإن لم يبلغ ما حدّدوه ، فقلت للوالي والمولى عليه : هذا عدوّ الله ، وقد حصل في الشّرك والشّبكة ، فلتكن عندكم بركة ، ولتظهر منكم إلى نصرة دين الله المتعيّنة عليكم حركة ، فليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع هذه الأقطار فيحاط به ؛ فإنه هالك لا محالة إن يسّركم الله له ؛ فغلبت الذنوب ، ووجفت القلوب بالمعاصي ، وصار كلّ أحد من الناس ثعلبا يأوى إلى وجاره ، وإن رأى المكروه (٣) بجاره ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن الناس من قال : إنها منسوخة بقوله (٤) : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً). وذلك بيّن في موضعه.
المسألة الرابعة ـ إذا كان النّفير عامّا لغلبة العدوّ على الحوزة ، أو استيلائه على الأسارى كان النّفير عاما ، ووجب الخروج خفافا وثقالا ، وركبانا ورجالا ، عبيدا وأحرارا ، من كان له أب من غير إذنه ومن لا أب له ، حتى يظهر دين الله ، وتحمى البيضة ، وتحفظ الحوزة ، ويخزى (٥) العدوّ ، ويستنقذ الأسرى. ولا خلاف في هذا.
ولقد روى أنّ بعض الأمراء عاهد كفارا ألّا يحبسوا أسيرا ، فدخل رجل من جهته(٦). بلادهم ، فمرّ على بيت مغلق ، فنادته امرأة : إنى أسيرة ، فأبلغ صاحبك خبري.
فلما اجتمع به ، استطعمه عنده (٧) ، وتجاذبا ذيل الحديث انتهى الخبر إلى هذه المعذّبة ، فألقاه إليه ، فما أكمل حديثه حتى قام الأمير على قدمه ، وخرج غازيا من فوره ، ومشى إلى
__________________
(١) في القرطبي : خيرتنا.
(٢) في ا : دبر كثير الناس عدده ، والعبارة غامضة. والمثبت من القرطبي.
(٣) في القرطبي : المكيدة.
(٤) سورة التوبة ، آية ١٢٢.
(٥) في ا : ويحرم.
(٦) في ل : فدخل رجل من جهة بلادهم. وفي القرطبي : فدخل رجل في المسلمين جهة بلادهم.
(٧) في ا : واستطعمه ما عنده.