فلعله إن صح أن يكون الكىّ من خارج ، والنقر من داخل.
وقالت الصوفية : لما طلبوا بكثرة المال الجاه شأن الله وجوههم ، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم ، ولما أسندوا بظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها دون الله كويت ظهورهم ، هذا والكل معنى صحيح.
المسألة الثنالة ـ إن كان المكتتر كافرا فهذه بعض عقوباته ، وإن كان مؤمنا فهذه عقوبته إن لم يغفر له ، ويجوز أن يعفى عنه. وقد بينا ذلك في غير موضع.
وقال علماؤنا : إنما عظم الوعيد في هذا الباب لما في اختلاف (١) العباد من الشحّ على المال والبخل به ؛ فإذا خافوا من عظيم الوعيد لانوا في أداء الطاعة. والله أعلم.
الآية الثامنة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
فيها ثمان مسائل :
المسألة الأولى ـ اعلموا ـ أنار الله أفئدتكم ـ أنّ الله خلق السموات والأرض ، وزيّنها بالشمس ، والقمر ، ورتّب فيها النور والظلمة ، وركّب عليها المصالح الدنيوية والعبادات الدينية ، وأحكم الشهور والأعوام ، ونظم بالكل من ذلك ما خلق من مصلحة ومنفعة ، وعبادة وطاعة ، وعلّم ذلك الناس أولا وآخرا ، ابتداء وانتهاء ؛ فقال (٣) : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) إلى : (الْأَلْبابِ). وقال (٤) : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ...) ـ إلى : (بِالْحَقِ). فأخذ كلّ فريق ذلك فاضطربوا في تفصيله ، فقال الروم : السنة اثنا عشر شهرا ، والشهور مختلفة ؛ شهر ثمانية وعشرون يوما ، وشهر ثلاثون يوما ، وشهر واحد وثلاثون يوما.
وقال الفرس : الشهور كلها ثلاثون يوما ، إلا شهرا واحدا ، فإنه من خمسة وثلاثين يوما.
__________________
(١) في م : جبلات العباد.
(٢) الآية السادسة والثلاثون.
(٣) سورة آل عمران ، آية ١٩٠.
(٤) سورة يونس ، آية ٥