صرت في أثره ، فلم يكن إلا ذاك حتى (١) عقرته ؛ فأتيت إليهم فقلت : قوموا فاحتملوا. فقالوا : لا نمسّه ، فحملته حتى جئتهم به ، فأبى بعضهم ، وأكل بعضهم. قلت : أنا أستوقف لكم النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، فأدركته ، فحدّثته الحديث ، فقال لي : أبقى معكم منه شيء؟ قلت : نعم. قال : فكلوا فهو طعمة أطعمكموها الله ؛ فأحلّ لهم الحمر مطلقا إلّا ما يتلى عليهم ، إلا ما صادره وهم محرمون منها ؛ وما صاده غيرهم فهو حلال لهم
، فإنما حرّم عليهم منه ما وقع إليهم بصيدهم ، إلى تفصيل يأتى بيانه إذا صيد لهم ، فإن حرم فإنما هو بدليل آخر غير هذه الآية.
المسألة الموفية عشرين ـ مضى في سرد هذه الأقوال أنّ من الصحابة من قال في جنين الناقة أو الشاة أو البقرة أو نحوها : إنها من بهيمة الأنعام المحلّلة. وللعلماء فيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنه حلال بكلّ حال ؛ قاله الشافعى.
الثاني ـ أنه حرام بكل حال ، إلا أن يذكى ؛ قاله أبو حنيفة.
الثالث ـ الفرق بين أن يكون قد استقل ونبت شعره وبين أن يكون بضعة (٢) كالكبد والطحال ؛ قاله مالك. وتعلق بعضهم بالحديث المشهور : ذكاة الجنين ذكاة أمه. ولم يصح عند الأكثر ، وصححه الدّارقطنيّ ؛ واختلفوا في ذكر «ذكاة» الثانية هل هي يرفع التاء فيكون الأول الثاني ولا يفتقر الجنين إلى ذكاة ، أو هو بنصب التاء فيكون الأول غير الثاني ، ويفتقر إلى الذكاة ، وقد مهدناه في الرسالة الملجئة ، وبيّنا في مسائل الخلاف أنّ المعوّل فيه على اعتبار الجنين بجزء من أجزائها ، أم يعتبر مستقلا بنفسه ، وقد بينا في كتاب الإنصاف الحقّ فيها ، وأنه في مذهبنا باعتبار ذكاة المستقبل ؛ والله أعلم. وسنشير إلى شيء من ذلك في الآية بعدها إن شاء الله.
__________________
(١) أصل العقر : ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم ، وعقر دابته : عرقبها ، ثم اتسع في العقر حتى استعمل في القتل والهلاك (النهاية).
(٢) البضعة : القطعة من اللحم.