المسألة الخامسة عشرة ـ يحتمل قوله : إلّا ما يتلى عليكم الآن ، أو إلّا ما يتلى عليكم فيما بعد من مستقبل الزمان. وفي هذا دليل على جواز تأخير البيان عن وقت لا يفتقر فيه إلى تعجيل الحاجة ، وهي مسألة أصولية ، وقد بيناها في المحصول ، ومعناه أن الله سبحانه أباح لنا شيئا وحرّم علينا شيئا استثناه منه. فأما الذي أباح لنا فسماه [وبيّنه] (١). وأما الذي استثناه فوعد بذكره في حين الإباحة ، ثم بيّنه بعد ذلك في وقت واحد أو في أوقات متفرقة على اختلاف التأويلين المتقدّمين ، وكلّ ذلك تأخير للبيان ، والله أعلم.
المسألة السادسة عشرة ـ قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) :
فيه ثلاثة أقوال :
الأوّل ـ معناه أوفوا بالعقود غير محلّى الصّيد.
الثاني ـ أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية غير محلّى الصيد وأنتم حرم.
الثالث ـ أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم إلا ما كان منها وحشيا فإنه صيد لا يحل (٢) لكم وأنتم حرم.
المسألة السابعة عشرة ـ في تنقيحها :
أما قوله : إن معناه أوفوا بالعقود غير محلى الصيد وأنتم حرم فاختاره الطبري والأحفش ، وقالا : فيه تقديم وتأخير ، وهو جائز في نظام الكلام وإعرابه ؛ وهذا فاسد ؛ إذ لا خلاف أن الاستثناء إذا كان باسم الفاعل فإنه حال ؛ فيكون تقدير الآية أوفوا بالعقود لا محلّين للصيد في إحرامكم. ونكث العهد ونقض العقد محرم ، والأمر بالوفاء مستمر في هذه الحال وفي كل حال. ولو اختص الوفاء بها في هذه الحال لكان ما عداها بخلاف على رأى القائلين بدليل الخطاب. وذلك باطل أو يكون مسكوتا عنه. وإنما ذكر الأقل من أحوال الوفاء وهو مأمور به في كل حال ، وهذا تهجين للكلام وتحقير للوفاء بالعقود.
وأما من قال : أحلّت لكم الوحشية فهو خطأ من وجهين :
أحدهما ـ أن فيه تخصيص بعض المحللات (٣) ، وهو تخصيص للعموم بغير دليل لا سيما عموم متفق عليه.
__________________
(١) من ل.
(٢) في ا : ولا يحل.
(٣) في ل : المجملات.