أمّا مقتضى اللغة فإن الله سبحانه قال (١) : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، وأراد في جميع البدن ، ثم قال : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) ، فافتضى ذلك الماء الذي يقوم له بحق ما تقدّم الأمر فيه والتكليف له ؛ فإنّ آخر الكلام مرتبط بأوله.
وأما مخالفته لأصول فليس في الشريعة موضع يجمع فيه بين الأصل والبدل ، وقد مهّدنا ذلك في مسائل الخلاف ، وبهذا تعلّق الأئمة في الوضوء بماء البحر ، وهي :
المسألة التاسعة والعشرون ـ قال ابن عمر رضى الله عنه : إنه لا يجوز الوضوء به ، لأنه ماء النار أو لأنه طين جهنم ، وكأنهم يشيرون إلى أنه ماء عذاب فلا يكون ماء قربة.
وقد منع النبىّ صلّى الله عليه وسلّم حين نزلوا بديار ثمود ألّا يشرب ولا يتوضأ من آبارهم إلّا من بئر الناقة ، وأوقفهم عليه ؛ وهي إحدى معجزاته صلّى الله عليه وسلّم.
قلنا : قد قال النبىّ صلّى الله عليه وسلّم في ماء البحر : هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته.
وقد روى عن ابن عباس أنّ ماء البحر هو طهور الملائكة ، إذا نزلوا توضّئوا ، وإذا صعدوا توضئوا ، فيقابل حديث ابن عمر بحديث ابن عباس ويبقى لنا مطلق الآية ، وحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم.
المسألة الموفية ثلاثين ـ قوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) ، معناه فاقصدوا (٢).
وقد روى عن عبد الله أنه قرأها فائتمّوا (٣) ، والأول أفصح وأملح ؛ فإن «اقصدوا» أملح من اتخذوه إماما ، ومن هاهنا قال أبو حنيفة : تلزم النية في التيمم ؛ لأنه القصد لفظا ومعنى.
قلنا : ليس القصد إليه للاستعمال بدل الماء هو النية ، إنما معناه اجعلوه بدلا ، فأما قصد التقرب فهو غيره.
جواب آخر ـ وذلك أنّ قوله : (فَتَيَمَّمُوا) إن كان يقتضى بلفظه النية فقوله : تطهّروا واغتسلوا (٤) يقتضى بلفظه النية ، كما تقدم.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية ٦
(٢) تفسير لتيمموا.
(٣) في ا : فاهتموا.
(٤) في ا : ويغسلوا.