قلنا : الفرق بين
المطلق والمعين ظاهر ، والدليل عليه بيت المال ، وقد منع بيت المال ، وقال : لا
يقطع من سرق منه ، وقد قال يقطع ، وفرق بينهما ، فقال : إنّ حظّه في المغنم يورث
عنه وحظّه في بيت المال لا يورث عنه ، وهي مشكلة بيناها في الإنصاف.
الآية الرابعة
والعشرون ـ قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ،
بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ اختلف
الناس في المراد بهذه الآية على قولين :
أحدهما ـ أنهم
مانعو الزكاة. الثاني : أنهم أهل الكتاب ، بخلوا [١٠٥] بما عندهم من خبر النبي
صلّى الله عليه وسلّم وصفته ؛ يروى عن ابن عباس.
المسألة الثانية ـ
قال علماؤنا : البخل منع الواجب ، والشحّ منع المستحبّ.
والدليل عليه الكتاب
والسنة ؛ أما الكتاب فقوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). والإيثار مستحبّ ، وسمّى منعه شحّا.
وأما السنّة فثبت
برواية الأئمة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال :
مثل البخيل
والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد ؛ فإذا أراد المتصدق أن يتصدّق سبغت
ووفرت حتى تجنّ بنانه وتعفى أثره ، وإذا أراد البخيل أن يتصدّق تقلّصت ولزمت كلّ
حلقة مكانها ، فهو يوسع ولا توسع. وهذا من الأمثال البديعة ، بيانه في شرح الحديث.
المسألة الثالثة ـ
في المختار الصحيح : أنّ هذه الآية دليل على وجوب الزكاة ؛ لأنّ هذا وعيد لمانعها
، والوعيد المقترن بالفعل المأمور به والمنهي عنه على حسب اقتضاء الوجوب أو
التحريم ؛ وهذا الوعيد بالعقاب مفسّر في الحديث الصحيح عن النبىّ صلّى الله عليه
وسلّم ؛ روى الأئمة عنه أنه قال :
ما من مال لا
يؤدّى زكاته إلا جاء يوم القيامة شجاعا أقرع
__________________