إنه على الفور فحقّ (١) الزوج مقدّم ، وأما الأبوان فإن كانا منعاه (٢) لأجل الشوق والوحشة فلا يلتفت إليه ، وإن كان خوف الضيعة وعدم العوض (٣) في التلطف فلا سبيل له إلى الحج ؛ وذلك مبيّن في مسائل الفقه.
المسألة التاسعة ـ إن كان مريضا أو مغصوبا (٤) لم يتوجّه عليه المسير إلى الحج بإجماع من الأمة ؛ فإن الحجّ إنما فرضه الله على المستطيع إجماعا ؛ والمريض والمغصوب لا استطاعة لهما ؛ فإن رووا أنّ الصحيح (٥) قد تضمّن عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ امرأة قالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحجّ عنه؟ قال : نعم ، حجّى عنه. وقال (٦) النبي صلّى الله عليه وسلّم : أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت : نعم. قال : فدين الله أحقّ أن يقضى.
وقد قال بهذا الحديث جماعة من المتقدمين ، واختاره الشافعى من المتأخرين ، وأبى ذلك الحنفية والمالكية ، وهم فيه أعدل قضية ؛ فإنّ مقصود الحديث الحثّ على برّ الوالدين والنظر في مصالحهم دينا ودنيا ، وجلب المنفعة إليهما جبلّة وشرعا ؛ فإنه رأى من المرأة انفعالا بيّنا ، وطواعية ظاهرة ، ورغبة صادقة في برّ أبيها ، وتأسفت أن تفوته بركة الحج ، ويكون عن ثواب هذه العبادة بمعزل ، وطاعت بأن تحج عنه ؛ فأذن لها النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه.
وكأن في هذا الحديث جواز حجّ الغير عن الغير ؛ لأنها عبادة بدنيّة مالية ، والبدن وإن كان لا يحتمل النيابة فإن المال يحتملها ؛ فروعى في هذه العبادة جهة المال ، وجازت فيه النيابة.
وقد صرّح النبىّ صلّى الله عليه وسلّم بجواز النيابة في غير هذا الموضع ، وضرب المثل بأنه لو كان على أبيها دين عبد لسعت في قضائه ، فدين الله أحقّ بالقضاء ، وإن كان
__________________
(١) في ا : حق ، وهو تحريف طبعي.
(٢) في ا : فإن كان منعاه. وهو تحريف. وفي ل : فإن منعاه.
(٣) في ا : العرض. وهو تحريف ، صوابه من ل ، والقرطبي : ٣ ـ ١٤٧.
(٤) في القرطبي : معضوبا. والعضب : القطع.
(٥) صحيح مسلم : ٩٧٣
(٦) في ا : فقال.