والذي عنده : أنّ النية إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ولا يبالى.
فإن قيل : هذا إلقاء بيده إلى التّهلكة.
قلنا : قد بينا معنى الآية في موضعها ، وتمامها في شرح المشكلين ، والله أعلم.
فإن قيل : فهل يستوي في ذلك المنكر الذي يتعلّق به حقّ الله تعالى مع الذي يتعلّق به حقّ الآدمي؟
قلنا : لم نر لعلمائنا في ذلك نصّا. وعندي أنّ تخليص الآدمي أوجب من تخليص حقّ الله تعالى ؛ وذلك ممهّد في موضعه.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ).
قال علماؤنا : في هذا دليل على وجوب ارتفاع المدعوّ إلى الحاكم ؛ لأنه دعى إلى كتاب الله ، فإن لم يفعل كان مخالفا يتعيّن عليه الزّجر بالأدب على قدر المخالف والمخالف.
ومثله قوله تعالى (٢) : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ).
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٣) : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).
هذا عموم في أنّ المؤمن لا يتخذ الكافر وليّا في نصره على عدوّه ولا في أمانة ولا بطانة. من دونكم : يعنى من غيركم وسواكم ، كما قال تعالى (٤) : (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً).
وقد نهى عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعرى عن ذمّيّ كان استكتبه باليمن وأمره بعزله ، وقد قال جماعة من العلماء يقاتل المشرك في معسكر المسلمين معهم لعدوهم ، واختلف في ذلك علماؤنا المالكية.
__________________
(١) الآية الثالثة والعشرون.
(٢) سورة النور ، آية : ٤٨
(٣) الآية الثامنة والعشرون.
(٤) سورة الإسراء ، آية : ٢