«لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» (١).
يمس أحدنا الخطب مسّا خفيفا فيملاء الدّنيا صراخا وعويلا ، ويمتحنه الله بنقص من المال أو الأهل ، فيخرج من عقله ودينه ، ويجرأ على خالقه بألفاظ تصم منها المسامع ، وتخرس لها الألسن. وتنهال السّهام ، والسّيوف ، والرّماح على الحسين ، ويتفجّر جسده الشّريف بالدّماء ، ويتساقط القتلى من أولاده ، وأصحابه بالعشرات ، وهو ينظر إليهم ، ثمّ لا يزيد على قول : «لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» ، أجل ، لقد قال حين سقط على الأرض مخاطبا ربّه ، وهو يسلّمه النّفس الأخير :
«أللهمّ أنّك قريب إذا دعيت ، محيط بما خلقت ، قابل التّوبة لمن تاب إليك ، قادر على ما أردت ... أدعوك محتاجا ، وأرغب إليك فقيرا ، وأفزغ إليك خائفا» (٢).
أنت خائف من ربّك يا أبا عبد الله ، وغيرك في أمان من عقابه!. ومن أي شيء تخاف! من ظلمك وطغيانك ... وما ظلم أحد في الكون كما ظلمت .. أو من تهاونك بأمر الله ، وكنت تصلّي له في اليوم واللّيلة ألف ركعة!. أو من سكوتك عن حكّام الجور ، وترك الأمر بالمعروف. وما ضحى أحد في هذه السّبيل كما ضحيت! .. أو تخشى جبنك وخورك ، وقد لا قيت ثلاثين ألفا بصدرك ، وقلبك ، وكنت عنوانا لصبر الأنبياء ، ومثال الشّجاعة ، والإباء لكلّ جيل كان ويكون! ...
__________________
(١) انظر ، تأريخ بغداد : ٣ / ٣٣٤ ، شرح الأخبار : ٢ / ١٦٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٤٩ و ٧٠ ، المجدي في أنساب الطّالبيّين : ١٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٤ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٩٤ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٣.
(٢) انظر ، مصباح المتهجّد : ٨٢٧ ، إقبال الأعمال : ٣ / ٣٠٤.