فاختة (١).
ولمّا كفل أبو طالب محمّدا أنزلته من قلبها منزلة الأحشاء ، وجعلته نصب عينيها ، إن غاب عنها لحظة لم يغب مثاله ، ولم تفقد شخصه ، وتذهل عن كلّ شيء ، حتّى يحضر ، فتشتغل بتغذيته ، وغسله ، وتنظيفه ، وتلبيسه ، وتدهينه ، وتعطيره ، وإصلاح شأنه فإذا كان اللّيل اشتغلت بفرشه ، وتوسيده ، وتمهيده ، فكانت لا تغفل عنه وعن خدمته لحظة في ليل ولا نهار ، وكان يسميها أمّي.
ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله بقميصه ، وأمر (٢) من يحفر قبرها ، فلمّا بلغوا اللّحد حفره بيده ، واضطجع فيه ، وقال ، «أللهمّ اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها ، فقيل له : يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها ، فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة ، واضطجعت في قبرها ، ليوسع الله عليها ، وتأمن ضغط القبر ، أنّها كانت من أحسن خلق الله صنعا إليّ بعد أبي طالب»(٣).
صنع النّبيّ بها هذا وفاء لإحسانها ، واعترافا بجميلها ، ومع هذا فقد جعله دون إحسان عمّه أبي طالب ، لأنّها أحسنت إليه بالذات ، وعمّه أحسن للإسلام
__________________
(١) تقدّمت تخريجاته. انظر ، كتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩. لا حظت ، وأنا اتّتبع كتب الفضائل أنّ ما من منقبة يذكرها الشّيعة لأهل البيت إلّا وفي كتب السّنّة مثلها.
(٢) أمر ، اسامة بن زيد ، وأبا أيوب الأنصاري ، وعمر بن الخطّاب ، وغلاما أسود. (منه قدسسره).
(٣) انظر ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة :
١ / ٧٥ في الهامش رقم (٢) ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقيقنا ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، وكتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩.